الاعلام في مهب الرياح الرقمية: أخلاقيات مفقودة في عالم متسارع
جميع الحقوق محفوظة © لمجلة فكر وخبر
أخلاقيات العمل الإعلامي
تعتبر الأخلاقيات بشكل عام ضرورة لا بد منها في مختلف المهن، وهي مجموعة من القواعد والمبادئ والمعايير السلوكيّة والأخلاقيّة التي تعتبر حجر الأساس لكل مؤسسة مهنيّة. وفي هذا الإطار فإن الأخلاق الإعلاميّة تٌشكّل إحدى الركائز والأسس الرئيسيّة للممارسة المهنيّة السليمة، بمعنى أن نزاهة الإعلامي أمر رئيسي في تحديد هدفيّة هذه المهنة التي هي في الأساس خدمة عامة تسعى الى خير المجتمع من خلال تزويد الجمهور بالوقائع والمعلومات والحقائق الضروريّة لتشكيل رأي عام واع.
وتٌعرّف الأخلاقيات الإعلامية بأنها “منظومة من المبادئ والمعايير التي تستهدف ترشيد سلوك الإعلاميين خلال قيامهم بتغطيّة الأحداث وتوجيههم لإتخاذ القرارات التي تتناسب مع الوظيفة العامة للمؤسسات الإعلاميّة ودورها في المجتمع، وضمان الوفاء بحقوق الجمهور في المعرفة وإدارة المناقشة الحرة، مع التقليل الى أقصى حد من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالجمهور أو الأفراد أو المصادر وضمان حمايّة كرامة المهنة ونزاهة الصحفيين.” (نصر، 2010، ص 271)
وفي سياق متصل فإن مواثيق الشرف المهنيّة تعد من أهم محددات الأداء الأخلاقي لوسائل الإعلام. ويُعرف الميثاق المهني أنه “مدونة سلوك تتضمن معايير مهنيّة يجب الإلتزام بها من جانب الصحفيين والإعلاميين في المجتمع. وتغطي هذه المواثيق المشكلات الأخلاقيّة الأساسيّة التي يواجهها الصحفيون سواء خلال جمع الأخبار والمعلومات أو في التعامل مع مصادرهم وطريقة تقديم القصص الصحفيّة وكيفيّة ضمان نوعيّة المعلومات التي يقدمونها للجماهير. (المرجع السابق، 2010، ص 291). واليوم مع التطور التكنولوجي وما صاحبه من ظهور للمنصات الإجتماعيّة برزت الحاجة الى أخلاقيات تعالج المسائل المستحدثة التي أفرزتها تطبيقات الإنترنت المختلفة.
الإعلام الرقمي
إن التطور الكبير الذي شهده العالم في ميدان الإتصالات والمعلومات، وما ترتب عليه من تحولات جوهريّة في البيئة الإتصاليّة المعاصرة انعكست بمظاهر شتى على واقع الإعلام الذي نشهده اليوم. “برز الإعلام الرقمي بشكل ملفت، وأخذ يشق طريقه بين المستخدمين ويُمارس دوره في نقل المحتوى الإتصالي بنجاح، حيث يرادف مفهوم “الإعلام الجديد والإلكتروني والإجتماعي”، وهذه المفاهيم الحديثة هي إحدى سمات العصر الجديد للإعلام، تكشف عن مرحلة جديدة من الخدمات الإعلاميّة والإتصاليّة تختلف عن سابقتها التي كانت تُمارس في عصر الإعلام التقليدي.”( البدراني، 2017، ص 11)
يعتمد الإعلام الرقمي على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديثة وهي الدمج بين كل وسائل الإعلام التقليديّة، بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة بطريقة أكبر، ويتيح الإنترنت للإعلاميين فرصة كبيرة لتقديم موادهم الإعلاميّة المختلفة، بطريقة إلكترونيّة. والإعلام الجديد أو الرقمي يشير الى مجموعة من الأساليب والأنشطة التي تمكن من إنتاج ونشر واستهلاك المحتوى الإعلامي بمختلف أشكاله من خلال الأجهزة الإلكترونيّة.(الشماليّة، اللحام، كافي، 2015، ص:18)
ومع ظهور هذا الشكل الجديد من الإعلام وانتشاره بصورة واسعة، ودخول الكثير من الإعلامين فيه سواءً متخصصين أو غير متخصصين نشأت عدة ظواهر منها: (سالم، د.ت)
- كسر احتكار المؤسسات الإعلامية الكبرى.
- ظهور طبقة جديدة من الإعلاميين، وأحياناً من غير المتخصصين في الإعلام، إلا انهم أصبحوا محترفين في استخدام تطبيقات الإعلام الرقمي.
- ظهور منابر جديدة للحوار، فقد أصبح باستطاعة أي فرد في المجتمع أن يرسل ويستقبل ويتفاعل ويعلّق بكل حرية.
- ظهور إعلام الجمهور الى الجمهور.
- المشاركة في وضع أجندات النقاش حيث ينجح الإعلام الرقمي أحيانًا في تسليط الضوء على قضايا لا تُطرح في وسائل الإعلام التقليدية، مما يجعل هذه القضايا المهمة هاجسًا للمجتمع، للتفكير فيها ومناقشتها ومعالجتها.
- تفتيت الجماهير، فقد بدأ الجمهور يتفتت إلى مجموعات صغيرة، بدلاً من حالة الجماهير العريضة لوسائل الإعلام التقليدية، وهكذا انتقل الإعلام الى مرحلة الإعلام الفئوي والإعلام المتخصص.
أخلاقيات المهنة والصحافة الإلكترونيّة
تعتبر الصحافة الإلكترونيّة من أكبر المستفيدين من التطور التكنولوجي الحاصل في مجال الإعلام والإتصال، حيث تمكنت من خلق جيل جديد من الصحفيين ينقلون الأخبار ويصورونها وينشرونها، تمامًا كما فرضت المواقع الإعلاميّة نوعًا من الكتابة المختصرة والسريعة. (بن مسعود، 2019، ص:2). ويمكن تعريف الصحافة الإلكترونيّة بأنها “نوع من الإتصال بين البشر يتم عبر الفضاء الإلكتروني الإنترنت وشبكات المعلومات والإتصالات الأخرى، تستخدم فيه فنون آليات ومهارات العمل في الصحافة المطبوعة مضافًا إليها مهارات وآليات تقنيّة المعلومات التي تتناسب والفضاء الإلكتروني كوسيط أو وسيلة إتصال بما في ذلك إستخدام النص والصوت والصورة والمستويات المختلفة من التفاعل مع المتلقي لإستقصاء الأنباء الآنيّة وغير الآنيّة ومعالجتها وتحليلها ونشرها على الجماهير.” (غازي، 2016، ص 104)
وأوجدت الصحف الإلكترونيّة مجالاً واسعًا وكبيرًا للجمهور للإطلاع على مجريات الأمور العامة في المجتمع على الصعد كافة، لما تتميز من سرعة النشر والوصول الى الجمهور العريض، بعيدًا عن رقابة القائم بالإتصال، على الرغم من خضوع الصحف الإلكترونيّة الى أجندة المّمولين والقائمين عليها، ولكن ليس بمستوى الصحف المطبوعة. (الدعني، 2019، ص 161)
و تعتمد هذه الصحف في عملها في الكثير من بلدان العالم على عدد محدود جدًا من الإعلاميين من مشارب مختلفة قد لا يكون تخصصهم الصحافة، لتزيد أعباء الصحفي وتتشابك مهامه في أحيان كثيرة بين التحرير والإعلام والتسويق، فيمسك من كل شيئ بطرف دون التخصص في جانب بعينه، وهو ما أفرز الكثير من المشاكل المتصلة أساسًا بالمحتوى الإعلامي في ظلّ غياب الحياد والمصداقيّة والضوابط المهنيّة التي تحكم آليات الممارسة الإعلاميّة وأخلاقياتها. (بن مسعود، 2019، ص5)
ويوجد العديد من المشكلات والتحديات الأخلاقيّة التي تتعلق بالصحف الإلكترونيّة، و”بصحفي الإنترنت”، الناجمة عن عدم التزام العديد من الذين يكتبون أو يحررون فيها سواء من المحترفين أو من الهواة بالأسس والقواعد المهنيّة والأخلاقيّة لمهنة الإعلام نذكر منها: (الفلاحي، 2014، ص 267-266)
- عدم خضوع الكثير من الصحف الإلكترونيّة ولاسيما العربيّة للمعايير المهنيّة التي تلتزم بها الصحافة الورقيّة إذ يديركثير من مواقع هذه الصحف صحفيون هواة لا ترقى مهاراتهم الى العاملين في المؤسسات الصحفيّة المعروفة مما أفرز الكثير من الأخطاء.
- يقع الكثير من صحفي الإنترنت في فخ التضليل الإعلامي الناتج عن تسريب معلومات خاطئة وكاذبة تصب في مصلحة جهات معينة.
- عدم إلتزام العديد من صحفيي الإنترنت بالمعايير المهنيّة والأخلاقيّة قد يجعل بعض الصحف الإلكترونيّة أكثر تحيزًا، وأقل موضوعيةً.
- تقوم العديد من الصحف الإلكترونيّة بنشر ما يأتي إليها دون التأكد من مصداقيتها، الأمر الذي يفتح المجال لنشر الإشاعات وترويجها.
- إن عدم وجود الضوابط الأخلاقيّة التي تحكم الممارسة الصحفيّة عبر الإنترنت، قد أفضى الى تعريض المستخدمين للمضامين والصور البعيدة عن المعايير الأخلاقيّة.
من هذا المنطلق يجب على الصحفيين في الصحف الإلكترونيّة والمواقع الإخباريّة أن يلتزموا بأخلاقيات ومسؤوليات المهنة من أجل خدمة الجمهور بموضوعيّة ومصداقيّة بعيدًا عن المصالح والمنافع التي تخل بشرف المهنة وتسيئ للصحفي والصحيفة.
الإشكاليات الأخلاقيّة في الإعلام الرقمي
إن طبيعة الإعلام الرقمي، وظهور المنصات والتطبيقات المختلفة، فرض تحديات ومشاكل أخلاقيّة وكثرت التجاوزات التي تتنافى مع معايير المهنة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية المنوطة بالصحفيين في البيئة الرقميّة في ظل تعدد الإشكاليات والإنتهاكات التي لا بد من تسليط الضوء على بعضٍ منها:
- السرعة مقابل الدقة
يمكن القول أن المصداقية والدقة في نقل الأحداث هما ضحية التحول الى الإعلام الرقمي كمصدر للخبر، في ظل صعوبة الرقابة على محتوى البيئة الرقميّة التي جعلت من أي فرد وبأبسط الأدوات مصدر أنباء محتمل لجمهور عريض. وأصبحت الصحافة في حالة من الشد والجذب ما بين الرغبة بمجاراة سرعة الوسائل الحديثة في نقل الحدث وحرصها على الحفاظ على مصداقية الخبر ونقله بمهنية. (العين، 2019). وبسبب أن النظام الإعلامي الجديد القائم على المنافسة الشرسة يرتكز في “نجاحه” على السبق الصحفي والإثارة، تصاعدت المنافسة بين الوكالات والفضائيات وغالبًا على حساب أخلاقيات المهنة. كما أن المؤسسات باتت تتنافس على التغطيّة وسرعة البث الإخباري على حساب مصداقيّة الخبر ونضجه أي الإحاطة به كاملاً. (صدقة، 2008، ص 28)
- سرقة الملكيّة الفكريّة
إن البيئة الرقميّة سهلت بشكل كبير إنتشار السرقات الأدبيّة والفكريّة، وباتت ظاهرة إنتشار المقال ذاته في أكثر من موقع دون نسبه لمصدره الأصلي تثير إشكاليّات على مستوى ممارسة المهنة وأخلاقياتها، فكيف يمكن حمايّة الملكيّة الفكريّة في الإعلام الرقمي خصوصًا أنه في بعض الدول مازالت التشريعات والقوانين بعيدة عن التطورات التكنولوجيا، وكبار الصحفيين وقعوا في خطأ السرقة الفكريّة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك حادثة مقدم البرامج باسم يوسف في مقاله الذي نشره في صحيفة “الشروق” المصريّة عام 2014 الذي تناول فيه “موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأزمة الأوكرانية”، وتبين أن المقال مأخوذ من الموقع الأمريكي “بوليتيكا”، وبررعدم إسناد المقال الى المصدر الأصلي أنه بسبب “ضغط العمل”.
- الأخبار الزائفة
تعتبر الأخبار الزائفة من أبرز الإشكاليات التي باتت منتشرة بشكل كبير، وأصبح الفرد محاط بكم هائل من المعلومات المضللة والتي تعمد على تشويه الأحداث أو تلفيقها وبناء تقاريرلإستقطاب الرأي العام استنادًا على الأكاذيب. أما الهدف الأساسي منها فهو تحقيق مآرب مختلفة، وكثيرًا ما يقع بعض الإعلاميين في خطأ نشر الأخبار الزائفة على صفحاتهم الشخصيّة، مما يخلق أزمة حقيقيّة.
الى جانب الإشكاليات الأخرى والكثيرة كالتلاعب بالصورة، وإنتهاك الخصوصيّة وغيرها من الأمور التي تحتاج الى مبادئ تدعم المقاييس والمعايير المهنيّة مع الحفاظ على الحريّة المسؤولة.
صحافة المواطن وإشكاليّة الأخلاق المهنيّة
أصبحت “صحافة المواطن” واقع فرضته المتغيرات في تكنولوجيا الإتصال، وساهمت بتحول الفرد من متلقي الى “مشارك في العمليّة الإعلاميّة” وحتى بمثابة مراسل، وبالتالي فإن إتجاه وسائل الإعلام التقليديّة للإعتماد على “صحافة المواطن” قد يوقعها بالكثير من الأخطاء التي تتنافى مع مبادئ المهنة.
وهناك إشكاليّة متعلقة بالمصطلح فالتوصيفات بشأن “صحافة المواطن” و”المواطن الصحفي” بعيدة كل البعد عن قواعد الممارسة الصحفيّة المهنيّة، فلا يعد المواطن صحفيًّا إذا تزوَّد بوسائل الإتصال التي تمكنه من نشر المعلومات ونقل الأحداث، كما لا يمكن أن تصبح مدونة المواطن صحيفة إلكترونيّة.” (بن مسعود، 2019، ص 12) ويمكن تعريف “صحافة المواطن” بأنها “مشاركة الأفراد العامة من الناس في الوظائف الصحفيّة؛ كنقل الخبر، والشهادات الحيّة، وتوثيقها بالكاميرات، ولا تستوجب تمتع أصحابها بالشروط المعروفة لممارسة العمل الصحفي.” (مشعلة، 2016)
إن تمظهرات “صحافة المواطن” تشير الى خلق نفس من الحريّة إلا أن تلك الحريّة لم ترافقها المسؤوليّة في الكثير من الأحيان، وغابت عنها قواعد الممارسة المهنيّة، والدقة، والموضوعيّة. (المرجع السابق، 2019، ص 13). إن إفتقار “المواطن الصحفي” للمقومات والمؤهلات، يمكن أن يكون سببًا في زيادة انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة على الإنترنت.
ومع تقلص عدد موظفي غرف الأخبار، وتزايد شعبية الأخبار على الإنترنت، أصبحت المنظمات قادرة على التعاون بشكل متزايد مع المواطنين في تغطية الكوارث والحوادث وغيرها. إذ يمكن للمواطنين الذين يلتقطون الأحداث على هواتفهم المحمولة نقل النصوص والصور إلى غرفة الأخبار، التي قد تكون زائفة أو متحيزة، في ظلّ غياب المعايير التحريريّة. (Ward, 2016). كما تلجأ الوسائل الإعلاميّة للإعتماد على “صحافة المواطن”حينما تقف عوائق تحول دون وصول مراسليها لمنطقة الحدث، مما يشكل ضرورة حتميّة للتحقق والتدقيق بهذه المواد التي تصل من الناشطين، خصوصًا أن الكثير من القنوات الكبرى وقعت في فخ التضليل، نتيجة المواد الزائفة التي تصلها.
ثمة اتجاه يبالغ في الاحتفاء بالآثار الإيجابية “لصحافة المواطن” ويراها وسيلة للتعبير الحر عن الآراء وتحقيق الرقابة الشعبية؛ بل واعتبارها وسيلة للتغيير الاجتماعي. فيما اتجاه ثانٍ يعارض فكرة إعلام المواطن، ويؤكد على ضرورة الاحتراف والمهنية. (بن زغير، 2017)
“صحافة المواطن” باتت مصدر لا يستهان به في تلقي الأخبار والمعلومات ولها أهميّة كبيرة من حيث أنها تؤثر على الرأي العام، وهذا الدور فرض نفسه بقوة ووضع وسائل الإعلام التقليديّة أمام تحديات عدّة، من بينها السرعة والتنافس على تقديم المعلومة والذي يمكن أن يؤدي الى تضليل الرأي العام بسبب التركيز على السرعة على حساب جودة المنتج الإعلامي.
أخلاقيات الصحفي في مواقع التواصل الإجتماعي
الكثير من المؤسسات الإعلامية تشجع إعلامييها على استخدام الشبكات الاجتماعية لإنشاء “علامة تجارية” لأنفسهم، ولكن أحيانًا يمكن أن تضعهم التعليقات أو التغريدات أو المشاركات في دائرة سلبية، وذلك على سبيل المثال من خلال التعبير عن آرائهم الحزبية، والترويج للآراء السياسية، وتأييد المرشحين، ونشر التعليقات العدائية، مما قد يؤثر على سمعة المؤسسة الإعلامية بشكل عام. (Guerreo, 2018). في هذا الإطار لجأت الكثير من الصحف والقنوات ووكالات الأنباء لوضع مبادئ توجيهيّة لتعامل صحافييها مع مواقع التواصل. وهنا تجدر الإشارة الى أن الجمعيّة الأمريكيّة لناشري الأخبار( The American Society of News Editor) وضعت دليلاً لتنظيم إستخدام الصحفيين للشبكات الإجتماعيّة نذكر منها: (علال، 2019، ص ص 837-836)
- المبادئ الأخلاقيّة التقليديّة يجب أن تُطبق في الفضاء الإلكتروني. فلا ينشرالصحفي ما لا يرضي نشره في الصحيفة.
- يجب على الصحفي أن يتحمل مسؤوليّة ما يكتبه لأنه يصبح عموميًّا، حتى إذا كانت صفحته خاصة وغير مرتبطة بالمؤسسة وذلك بسبب صعوبة الفصل بين الفضاء الشخصي والفضاء العمومي.
- أن يتفاعل الصحفي مع القراء بطريقة مهنيّة.
- لا يجب نشر المعلومات الحصريّة على الفايسبوك أو على التويتر بل على موقع الصحيفة.
- الميديا الإجتماعيّة أدوات وليست لعبة، فالصحفيون يمثلون مؤسساتهم ولا يمكن لهم أن يتصرفوا بطريقة غير مقبولة على الشبكة.
واليوم مع تزايد إعتماد الصحفيين على مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الأخرى وخصوصًا موسوعة “ويكيبيديا” كمصدر للمعلومات يمكن أن يوقعهم داخل ممارسات تتنافى مع أخلاقيات المهنة وما نصت عليه مواثيق الشرف الإعلاميّة. وكثيرًا ما تقع قنوات فضائيّة كبيرة في خطأ جرّاء تضليل يمارسه بعض الهواة الذين ينشرون مواد إعلاميّة عبر الشبكات الإجتماعيّة، ومن ذلك الخلط في نقل صور لأحداث حصلت في العراق ووظفت في أحداث سوريا، ثم في أزمة اليمن مع الفارق الزمني في حقيقة وقوع هذه الأحداث (البدراني، 2017، ص42)
من جهة أخرى لا بد من أن نسلط الضوء على قضيّة أساسيّة، وهي المسؤوليّة التي تقع على الوسيلة التقليديّة بالتحقق من المواد التي تصلها ومدى صحتها ومن أبرز الأمثلة ما حدث مع صحيفة “الغارديان” البريطانيا عام 2016 حيث سحبت 13 تقريرًا مفبركًا عن موقعها الإلكتروني كتبها “جوزيف مايتون”، وصرحت الصحيفة أنه من ضمن التقارير ثمة تقريران عن مناسبتين لم يحضرهما مايتون. تصريح يضعنا أمام سؤال كبير عن كمّ التقارير الصحفية التي ينجزها كثير من الصحفيين عن نشاطات وفعاليات وأحداث استطاعوا التقاط أخبارها من أشخاص حضروا أو من وسائل التواصل الاجتماعي أو من مصادر أخرى دون أن يكونوا هم أنفسهم شهودًا عليها. (معهد الجزيرة للإعلام، 2016)
الضوابط القانونيّة ومواثيق الشرف
إن البيئة الرقميّة بحاجة الى مواثيق تتناسب مع طبيعتها، وخصائصها، في هذا الإطار يوجد عدّة آراء متباينية حول ضرورة تواجد منظومة أخلاقيّة للعمل الإعلامي ضمن هذه البيئة الجديدة، ويمكن إبراز هذه الآراء في إطار تصور الفريقين، الفريق الأول يرى أن البيئة الإعلاميّة الإلكترونيّة بحاجة لصياغة منظومة جديدة من الحقوق والواجبات والفريق الثاني يرى عدم وجود حاجة لسن مواثيق شرف أو ضوابط أخلاقيّة خاصة بالعمل الإعلامي في البيئة الرقميّة، بل ويُعارض فكرة تطبيق القيم التقليديّة على البيئة الإلكترونيّة، بإعتبار أن ثراء البيئة يُضاهي قيمة المعايير التي يتم تطبيقها في الإعلام التقليدي، ويطرحون في ضوء ذلك عدّة مبررات أهمها صعوبة وضع ضوابط محددة وشبه ثابتة لضبط العمل الإعلامي في بيئة متقلبة ومتجددة.(مهيرة، 2018، ص 397)
إن ما يثير إشكاليّة ضرورة التوصل الى ميثاق شرف للعاملين في الإعلام الإلكتروني هي كثرة المظاهر التي يمكن رصدها في هذه البيئة الرقميّة، ولكن مسألة وضع تشريعات وضوابط مهنيّة تبقى معقدة ولا يمكن أن نصل من خلالها الى الضبط التام.”ولكن اليوم ساعد ظهور العديد من المنظمات في العالم على غرار شبكة الصحافة الأخلاقيّة أو مبادرة الصحافة الأخلاقيّة للإتحاد الدولي للصحفيين على دفع أخلاقيات العمل الإعلامي، والمساعدة على تنظيم قطاع الصحافة الإلكترونيّة.” (بن مسعود، 2019، ص 18)
أما في ما يخص القوانين، تجدر الإشارة الى أن القانون في الولايات المتحدة الأمريكيّة كان سباقًا في منح الصحفي الإلكتروني الحقوق التي يتمتع بها الصحفي في الإعلام التقليدي، ومقابل هذه الحقوق يوجد الكثير من الواجبات التي يجب الإلتزام بها من قبل صحفي الإنترنت، وضرورة إلتزامهم بعدم التعدي على حقوق الآخرين وخصوصياتهم، وعدم إستغلال المميزات التي توفرها تكنولوجيا البيئة الرقميّة في أعمال غير أخلاقيّة. بشكل عام ان الضوابط القانونية والأخلاقيّة التي توفرها الصحافة التقليدية، وتستمد منها الصحافة الإلكترونيّة أسس تقنينها وتنظيمها، تبقى غير كافية في ظل وجود العديد من الفراغات التشريعية مما يطرح حاجة ملحة إلى إصدار تشريعات جديدة خاصة بالإعلام الرقمي. (المرجع السابق، 2019، ص ص 15-14)
أما على صعيد لبنان فقد قامت المواقع الإلكترونيّة العام 2016 بإطلاق “ميثاق الشرف الإعلامي الإلكتروني” ونصت مواده على إحترام الدستور، والتعاطي بمسؤوليّة مع القضايا المختلفة، وإحترام حقوق الملكيّة الفكيريّة، والإمتناع عن نشر ما يسيئ الى حرمة الضحايا، وغيرها.. ولكن تبقى العبرة في مدى الإلتزام بتطبيق ما جاء في هذا الميثاق، خصوصًا أن يومًا بعد يوم تبرز الإنتهاكات في هذه البيئة الرقميّة ليس فقط في لبنان ولكن على مستوى العالم بأجمعه بنسب متفاوتة.
لا شك بأن الإعلام الرقمي صاحبَه الكثير من الإيجابيات المختلفة ليس فقط بالنسبة للإعلاميين إنما أيضًا كل فرد أصبح قادرًا أن يعبر ويعترض ويبدي وجهة نظره، ولكن من جهة أخرى فإن هذه البيئة جعلت الإنتهاكات الأخلاقيّة تنتشر بشكل كبير الى جانب كل ما يتنافى مع مبادئ وأخلاقيات المهنة الإعلاميّة، حتى من قبل بعض الإعلاميين المتخصصين بالمجال الإعلامي فهذه الظاهرة ليست حكرًا على بعض “الهواة”. هناك ضرورة فعليّة لوضع شرعات تخص الإعلام الرقمي على وجه التحديد وهنا لا ننكر بأن المواثيق الأخلاقيّة في الإعلام التقليدي تستطيع أن تُطبق على الإعلام الجديد بل وتشكّل الخطوط الرئيسيّة والأساسيّة للعمل في البيئة الرقميّة أي الإلتزام بالدقة والموضوعيّة والمصداقيّة وإحترام الملكيّة الفكريّة ونسب المواد الى مصادرها وغيرها من المبادئ الأخرى والضروريّة، ولكن البيئة الجديدة تحتاج الى تعديلات ومواثيق تنص على مواد تتناسب مع طبيعتها الدينامكيّة.
المراجع
البدراني، فاضل. (2017). الإعلام الرقمي في عصر التدفق الإخباري. بيروت: منتدى المعارف.
بن مسعود، المعز. (2019). أخلاقيات الصحافة الإلكترونيّة العربيّة. مركز الجزيرة للدراسات. تاريخ الدخول 20/5/2024 عنوان الموقع : bit.ly/3VON0jX
د. نصر، حسني. (2010). قوانين وأخلاقيات العمل الإعلامي. العين: دار الكتاب.
د. صدقة، جورج. (2008). الأخلاق الإعلاميّة بين المبادئ والواقع. بيروت: مؤسسة مهارات.سالم.
بن وليد. (د.ت). الأخلاقيات والمواثيق في عصر الإعلام الرقمي. القافلة. تاريخ الدخول 20/5/2024 عنوان الموقع : bit.ly/3xtP0oq
الشمايلة، ماهر، اللحام، محمود، كافي، مصطفى. (2014). الإعلام الرقمي الجديد. عمان: دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع.
غازي، محمد خالد. (2016). الصحافة الإلكترونيّة. الجيزة: وكالة الصحافة العربيّة.
علال، حنان. (2019). الأخلاقيات الإعلاميّة في زمن الإعلام الجديد. كليّة علوم الإعلام، جامعة صالح بوبنيدر قسنطينة. عنوان الموقع: https://www.researchgate.net/publication/330223150_alakhlaqyat_almhnyt_fy_zmn_alalam_aljdyd
مشعلة، فاطمة. (2016). تعريف صحافة المواطن. موضوع، تاريخ الدخول 20/5/2024 عنوان الموقع: bit.ly/4csANXJ
مهيرة، بثينة. (2018). أخلاقيات الإعلام الجديد: بين الحرية والإلتزام في البيئة الإلكترونيّة. جامعة عبد القادر للعلوم الإسلاميّة، تاريخ الدخول: 20/5/2024 . عنوان الموقع: https://www.asjp.cerist.dz/en/article/56504
معهد الجزيرة للإعلام. (2016). الغارديان.. درس في الصحافة عن جرأة الاعتذار، تاريخ الدخول 21/5/2024. عنوان الموقع: https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/616
Guerrero, R. (2018). The ethical issues of social media in journalism. Retrieved May 20, 2024, from https://bit.ly/3XwUGbG
Ward, S. (N.D.). Digital media ethics. Center for Journalism Ethics. Retrieved May 20, 2024, from https://ethics.journalism.wisc.edu/resources/digital-media-ethics/