×

الملتقى الإعلامي العربي في بيروت: حوارٌ عربيٌّ يكتُب فصلاً جديدًا في مسيرة الإعلام

الملتقى الإعلامي العربي في بيروت: حوارٌ عربيٌّ يكتُب فصلاً جديدًا في مسيرة الإعلام

بقلم: آية علي الزين

برعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، وبدعمٍ كريم من دولة الكويت الشقيقة، وبتعاونٍ بين هيئة الملتقى الإعلامي العربي بقيادة أمينه العام الأستاذ ماضي الخميس، ووزارة الإعلام اللبنانيّة، شهدت مدينة بيروت انعقاد الدورة الحادية والعشرين من هذا الحدث الإعلامي العريق، في مشهدٍ جمع نخبة من أبرز الوجوه الإعلامية والسياسية والفكرية العربية، على مدى يومين متتاليين كانا أشبه بعرسٍ مهنيٍّ عربيٍّ احتفائيٍّ بالفكر والكلمة والمسؤولية الإعلامية، تحت شعارٍ لافتٍ هو:

“الإعلام والتنمية.. شركاء الحاضر، تحالف المستقبل”.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق فعاليات الملتقى، بدت بيروت وكأنها تستعيد دورها الطبيعي كعاصمةٍ للحوار والإبداع، ومركزٍ للقاء بين الثقافات والتجارب الإعلامية المتنوعة. فالمدينة التي لطالما كانت منارةً للفكر العربي، عادت لتستقبل ضيوفها من مختلف الدول، وتفتح أبوابها لنقاشاتٍ بنّاءةٍ حول حاضر الإعلام العربي ومستقبله في ظلّ التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.


بيروت… ساحة فكرية وإعلامية عربية

انعقدت جلسات الملتقى على مدى يومين متتاليين، حيث تناولت محاور متنوعة تمسّ جوهر المهنة الإعلامية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة.
في اليوم الأول، انطلقت الجلسة الافتتاحية التي حملت أجواءً مفعمةً بالأمل والتجدد، قبل أن تبدأ الجلسة الأولى بعنوان “الإعلام العربي في قلب التنمية المستدامة”، بمشاركة:

  • الدكتور حمزة المصطفى وزير الإعلام في سوريا،
  • النائب جورج عدوان رئيس لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي اللبناني،
  • الدكتور سعد البراك نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط ووزير الدولة لشؤون الاقتصاد والاستثمار السابق في الكويت،
  • الدكتور نوفل أبو رغيف رئيس هيئة الإعلام والاتصالات العراقية،
  • والدكتور محمد العلي رئيس مركز تريندز للبحوث والاستشارات في الإمارات،
    وقد تناولت الجلسة كيفية مساهمة الإعلام في رسم السياسات التنموية العربية.

ثمّ تلتها الجلسة الثانية بعنوان “دور الإعلام في خلق بيئة مؤاتية للتنمية الاقتصادية”، بمشاركة:

  • الأستاذ الدكتور عادل الوقيان المدير العام للمعهد العربي للتخطيط – الكويت،
  • علي حسن خليل الرئيس التنفيذي للمركز المالي الكويتي ورئيس مجلس الأعمال اللبنانية في الكويت،
  • الاقتصادي ومقدم البرامج ألبير كوستانيان،
  • ولمياء المبيض بساط رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي – لبنان، التي أدارت الحوار بمهارة، فسلّطت الضوء على التلازم بين الإعلام والاقتصاد كقاطرتين للتنمية.

أما الجلسة الثالثة فجاءت بعنوان “مستقبل الإعلام في ظلّ تطورات التكنولوجيا”، وتناولت أثر الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي في المشهد الإعلامي العربي، بمشاركة الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام السابق في سلطنة عُمان، ووليد ناصيف المخرج السينمائي ورائد الأعمال في الذكاء الاصطناعي، وأدارتها الإعلامية ريما كركي التي قادت النقاش نحو رؤى مستقبلية حول العلاقة بين التقنية والمصداقية الإعلامية.

تلتها الجلسة الرابعة بعنوان “الفن في خدمة التنمية”، وجمعت بين المنتج اللبناني صادق الصبّاح، والممثل السوري القدير أيمن زيدان، والفنان الأردني زهير النوباني، وأدارها الإعلامي والناقد الفني جمال فياض، حيث ناقش المشاركون كيف يمكن للفن أن يكون أداةً للتغيير وبناء الوعي.


اليوم الثاني… الفن والتنمية ومواجهة التضليل

في اليوم التالي، استُهلت الفعاليات بـ الجلسة الخامسة تحت عنوان “صورة التنمية في الإعلام العربي: الواقع والمأمول”، بمشاركة الوزير سامي النصف (الكويت)، وفيصل الشبول (وزير الإعلام السابق – الأردن)، ومحمود شمام (وزير الإعلام السابق – ليبيا)، والدكتورة منال عبد الصمد (وزيرة الإعلام السابقة – لبنان)، وأدار الجلسة الإعلامي والأكاديمي الدكتور سامي كليب، في نقاشٍ عميق حول مسؤولية الإعلام العربي في إبراز قصص التنمية لا الأزمات فقط.

أما الجلسة السادسة فجاءت بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بعنوان “تأثير الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على مسار التنمية”، وشارك فيها محمد الحمادي (مدير عام وكالة الأنباء الإماراتية السابق)، والدكتور محمد العريمي (رئيس جمعية الصحفيين في سلطنة عُمان)، وسمير عمر (رئيس قطاع القنوات الإخبارية في مصر)، وأنطوان فرح (الكاتب والخبير الاقتصادي)، وجورج عدوان (مسؤول برامج الاتصال والمعلومات في المكتب الإقليمي لليونسكو). وقد ناقش المشاركون خطورة التضليل الإعلامي وأثره على الثقة المجتمعية والمسار التنموي.

وفي الجلسة السابعة بعنوان “الإعلام والتنمية.. المفهوم النظري والتطبيق الميداني – ابدأ بذاتك”، شارك الدكتور خالد غطّاس (كاتب وخبير في السلوك البشري) والدكتور مهاب مجاهد (طبيب نفسي من مصر)، وأدارت الحوار الإعلامية علا فارس، حيث تطرقت الجلسة إلى أهمية الوعي الفردي والأخلاقي في ممارسة الإعلام المسؤول.

أما الجلسة الثامنة والأخيرة، فكانت بعنوان “نحو ميثاق إعلامي عربي لدعم التنمية المستدامة”، وهي جلسة حوارية مفتوحة شارك فيها الدكتور بول مرقص (وزير الإعلام اللبناني) والأستاذ ماضي الخميس (الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي)، وأدارها الإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان، حيث أكّد المتحدثون على ضرورة صياغة ميثاق عربي جامع يؤسّس لإعلامٍ مهنيٍّ وإنسانيٍّ يواكب تطلعات التنمية المستدامة في العالم العربي.


دور الكويت والرسالة العربية المشتركة

لم يكن حضور دولة الكويت في الملتقى مجرّد دعمٍ تقني أو تنظيمي، بل امتدادًا لدورٍ طويلٍ تؤدّيه في رعاية المشهد الإعلامي العربي وتعزيز قيم الحوار والانفتاح. فمنذ انطلاق الملتقى قبل أكثر من عقدين، كانت الكويت ولا تزال الداعم الأساسي لهذا المشروع الذي يجمع الإعلاميين العرب تحت سقفٍ واحد، انطلاقًا من قناعةٍ راسخة بأن الكلمة الصادقة هي جسر التفاهم بين الشعوب، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لمستقبلٍ عربيٍّ أكثر تماسكًا ووعيًا.

وفي هذا السياق، شكّل حضور الأستاذ ماضي الخميس قيمةً مضافةً للملتقى، بما يتمتّع به من رؤية استراتيجية وخبرة طويلة في العمل الإعلامي، وقدرته على إدارة النقاشات بروحٍ إيجابية تُعيد الاعتبار لمفهوم “الملتقى” كمفهومٍ إنسانيٍّ قبل أن يكون مهنيًّا.


لبنان يحتضن العقول ويكرّس الحوار

اختيار بيروت لاستضافة هذه الدورة لم يكن صدفة، بل رسالة أمل في زمنٍ يحتاج إلى الضوء.
ففي بلدٍ رغم كل التحديات ما زال يصرّ على الحياة والإبداع، بدا الملتقى أشبه بفسحةٍ من النبض العربي المشترك الذي يعيد الثقة بالإعلام كقوةٍ ناعمة قادرة على تجاوز الأزمات وصنع التغيير.
لقد أثبتت بيروت مرة جديدة أنها ليست فقط مدينةً تحتضن الفنون والثقافة، بل منبرًا يعبّر عن جوهر العروبة الحقيقي — العروبة القائمة على الفكر والتنوّع والانفتاح.


منصة فكرية… ورؤية مستقبلية

في مجلتنا «فِكر وخبر»، نؤمن أن انعقاد الملتقى الإعلامي العربي في بيروت هو أكثر من حدثٍ إعلامي؛ هو رسالة نهضة فكرية وإنسانية تعبّر عن وحدة المصير العربي، وعن أهمية أن تبقى الكلمة مسؤولة وصادقة.
فالإعلام لم يعد مجرّد وسيلةٍ لنقل الخبر، بل أداةً لصناعة الوعي، وتشكيل الرأي العام، والدفاع عن الحقيقة في وجه التزييف والانحياز.
وهذا الملتقى — بما جمعه من عقولٍ وخبراتٍ عربية — جسّد تلك الروح، مؤكدًا أن الإعلام ما زال قادرًا على أن يكون صوت الناس، وجسرًا بين الشعوب لا حائطًا يفصل بينها.


ختامًا…

شكرًا لدولة الكويت على رعايتها المستمرة للملتقى،
وشكرًا للأستاذ ماضي الخميس على رؤيته القيادية،
وشكرًا لبيروت — مدينة الحياة — التي احتضنت هذا الحدث بكل شغفها ودفئها، لتؤكّد أن في قلبها دائمًا متّسعًا للحوار والفكر والخبر.

اعلامية وباحثة في مجال الإعلام، حاصلة على درجة الماجستير في الإعلام والتواصل الجماهيري والدراسات السينمائية. متخصصة في تفكيك البروباغندا وكشف أبعادها الأيديولوجية. ومؤسِّسة مجلة "فكر وخبر". تهتم بالكتابة في قضايا السياسة والفكر والثقافة والإعلام.