×

كيف تصنع الشركات صورتها الذهنية؟

كيف تصنع الشركات صورتها الذهنية؟

بقلم: آية علي الزين

ملخص: تُعد الصورة الذهنية إحدى الركائز الأساسية التي تستند إليها الشركات في تفاعلها مع الجمهور، إذ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسمعة المؤسسة وقدرتها على الصمود في وجه الأزمات. وفي زمن تتسارع فيه الأحداث وتضخّم فيه وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، يصبح بناء الصورة الذهنية مهمة استراتيجية لا تقتصر على الجوانب الاتصالية فحسب، بل تشمل أبعاداً اجتماعية ونفسية واقتصادية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل آليات تشكيل الصورة الذهنية للشركات، وتسليط الضوء على نماذج بارزة من إدارة السمعة في سياق أزمات كبرى، مثل جائحة كوفيد-19 والفضائح التجارية، من خلال استعراض حالات شركات عالمية كـ”أبل”، و”نايكي”، و”سامسونغ”.

أولاً: الإطار النظري لمفهوم الصورة الذهنية

تُعرَّف الصورة الذهنية (Corporate Image) بأنها الانطباع المتكوّن في أذهان الجماهير عن المؤسسة، والذي يُبنى عبر تفاعل مركّب بين التجربة الفعلية، والتواصل الإعلامي، والانطباعات المتراكمة. يُعد كل من “فِشِر” و”ستيفنس” (Fisher & Stevens, 2001) من أبرز من قدّموا تصوراً متكاملاً للصورة الذهنية باعتبارها نتاجاً لتفاعل بين الرسائل الموجّهة والسياق الثقافي والاجتماعي للجمهور.

ومن منظور العلاقات العامة، فإن الصورة الذهنية لا تُبنى صدفة، بل تُصاغ استراتيجياً عبر برامج اتصال مؤسسي تتسم بالاتساق والاستمرارية. تؤكّد الباحثة ندى كمال (2018) في دراستها المنشورة بمجلة “العلاقات العامة العربية” أن الصورة الذهنية لا تقتصر على الإعلانات أو البيانات الصحفية، بل تُصاغ أيضاً عبر الممارسات اليومية للمؤسسة، وكيفية تعاملها مع القضايا العامة.

ثانياً: الأزمات كاختبار للصورة الذهنية

تُعد الأزمات بيئة كاشفة لحقيقة الصورة الذهنية، فهي لحظة يتقاطع فيها الخطر مع الإدراك العام. وقد برز هذا التحدي بوضوح خلال جائحة كوفيد-19، حين اضطرت الشركات لإعادة صياغة علاقتها مع عملائها وموظفيها في ظل ظروف غير مسبوقة.

وفقاً لتقرير صادر عن معهد رويترز لدراسات الصحافة (Reuters Institute, 2020)، فقد كانت الشركات التي تبنّت خطاباً إنسانياً شفافاً خلال الجائحة أكثر قدرة على الاحتفاظ بثقة الجمهور. من أبرز الأمثلة على ذلك شركة “نايكي”، التي أطلقت حملتها الشهيرة: “إذا حلمتَ بلعبك في المنزل، فأنت لست وحدك”، وشجعت الناس على التباعد الاجتماعي من خلال رسائل توعوية استثمرت في بناء ولاء طويل الأمد.

في المقابل، فشلت شركات أخرى في اجتياز هذا الاختبار، مثل شركة “كروغر” الأميركية التي واجهت انتقادات واسعة لعدم توفيرها معدات وقاية كافية لموظفيها في بدايات الجائحة، مما أثّر سلباً على صورتها الذهنية رغم حجمها الكبير.

ثالثاً: دراسة حالة – شركة “أبل” وإدارة السمعة في أزمة خصوصية البيانات

من أبرز الحالات التي تستحق الدراسة هي إدارة شركة “أبل” لأزمة خصوصية البيانات عام 2021، بعد أن تصدّرت عناوين الصحف بسبب تحديثاتها الجديدة التي حدّت من تتبع التطبيقات لبيانات المستخدمين. ورغم الانتقادات التي وُجّهت لها من قبل شركات إعلانات رقمية كـ”فيسبوك”، تمكّنت “أبل” من تحويل التحدي إلى فرصة.

اعتمدت الشركة على خطابٍ أخلاقي تمحور حول “حق المستخدم في الخصوصية”، وجعلت هذا الحق جزءاً من حملتها التسويقية، مما عزّز صورتها كمؤسسة تقدم قيمة مضافة للمستهلكين. وقد بيّن تقرير لمؤسسة إدلمان (Edelman Trust Barometer, 2022) أن “أبل” حققت ارتفاعاً ملحوظاً في مؤشر الثقة مقارنةً بشركات أخرى في القطاع ذاته.

رابعاً: من الاستجابة إلى الاستباق – التحول في عقلية العلاقات العامة

تُشير الدراسات الحديثة إلى أن إدارة السمعة لم تعد رد فعل، بل أصبحت ممارسة استباقية قائمة على استشراف المخاطر وبناء سرديات قوية ومستقرة. يرى الباحث برنارد موغرابي (2021) أن العلاقات العامة الناجحة هي التي تبني نموذجًا تواصليًا دائريًا مستمرًا، لا يقتصر على البيانات الصحفية أو الحملات المؤقتة.

في السياق ذاته، يمكن ملاحظة أن شركة “سامسونغ”، التي تعرضت في عام 2016 لأزمة انفجار بطاريات هواتفها من طراز Note 7، عانت حينها من انهيار كبير في سمعتها. إلا أنها، في السنوات التالية، أعادت بناء صورتها من خلال استثمارات واسعة في البحث والتطوير، وسياسات شفافة في إدارة الجودة، مما أعاد ثقة الجمهور تدريجياً.

خامساً: المعايير الأخلاقية في بناء الصورة الذهنية

لا تكتمل الصورة الذهنية للشركات دون ربطها بالإطار الأخلاقي. فالممارسات غير الأخلاقية قد تبني صورة براقة مؤقتاً، لكنها تنهار سريعاً تحت وطأة الأزمات. لذلك، أصبح الالتزام بالشفافية، والتواصل الصادق، والاحترام المتبادل، مكونات جوهرية لأي استراتيجية فعّالة للعلاقات العامة.

وقد أظهرت دراسة أعدّها مركز “بيو” للأبحاث (Pew Research, 2019) أن 67% من المستهلكين يفضّلون التعامل مع شركات تتبنّى مواقف أخلاقية علنية، حتى لو كانت أسعارها أعلى من منافسيها.

خاتمة:

إن الصورة الذهنية ليست مظهراً سطحياً، بل هي رأس مال رمزي يعكس التفاعل العميق بين المؤسسة وجمهورها. وفي زمن الأزمات، يتكشّف هذا الرأس مال، فإما أن يصمد بفعل أساس أخلاقي وتواصلي راسخ، أو ينهار تحت ضغط الواقع.

من هنا، تبدو مهمة العلاقات العامة اليوم أكثر تعقيداً وتحدياً، لكنها في الوقت نفسه، أكثر أهميةً من أي وقت مضى. فهي ليست مجرد قناة اتصال، بل عقل استراتيجي يبني السمعة، ويحفظ الثقة، ويؤسس لجسور مستدامة بين الشركة والعالم.


المراجع:

  • Fisher, C., & Stevens, K. (2001). Corporate Reputations: Managing Images and Identity. Business Horizons.
  • Edelman Trust Barometer. (2022). Annual Global Report.
  • Pew Research Center. (2019). Consumers and Corporate Ethics.
  • ندى كمال. (2018). “الصورة الذهنية للمؤسسات الإعلامية في ظل التنافس الرقمي”، مجلة العلاقات العامة العربية.
  • معهد رويترز. (2020). How Brands Communicated During COVID-19.
  • موغرابي، برنارد. (2021). “الاتصال المؤسسي والاستجابة الاستراتيجية في الأزمات”، مجلة البحوث الإعلامية، جامعة القاهرة.

صحفية وباحثة في مجال الإعلام، حاصلة على درجة الماجستير في الإعلام والتواصل الجماهيري والدراسات السينمائية. مؤسِّسة مجلة "فكر وخبر"، وتهتم بالكتابة في قضايا السياسة والفكر والثقافة والإعلام.