هوليوود تحت المجهر: كيف صورت أفلام الحرب غزو العراق؟
يُقال أن من خاضوا الحرب وعايشوها لن يعودوا أبدًا لما كانوا قبلها، وكأن الحرب تنطبع على أرواحهم. ولهذا وجدت السينما في الحروب ضالتها، ووجد محبوا السينما في أفلام الحروب ما يمس أرواحهم، وينقل لهم لحظات من الموت، وربما جزءًا من الحقيقة. ولكن هل تعبر السينما عن الحقيقة الكاملة بصدق؟
تذخر السينما الأمريكية بشكل خاص بمئات أفلام الحروب التي يتم إنتاجها سواء عن الحروب الأمريكية، أو معارك الحربين العالميتين الأولى والثانية، واللتين نالتا الكثير من التركيز والاهتمام من صانعي السينما. وتحتلّ شركات الإنتاج السينمائي موقعًا متقدمًا ضمن أهم وأخطر مؤسسات البروباغاندا في أمريكا، التي تروّج لكل ما هو أمريكي ثقافيًا وسياسيًا، ولا يقلّ دورها أهمية عن دور القوى العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية في معارك الهيمنة وحماية المصالح الأمريكية حول العالم.
ومنذ نشوئها بداية القرن العشرين، انتجت السينما الأمريكية أفلامًا لا حصر لها، واكبت المحطات التاريخية، والتحولات الاجتماعية، والأحداث السياسية الكبرى، وحتى أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001، وما تلاها من حروب شنتها أمريكا على دول مثل أفغانستان والعراق.
ولكن حرب فيتنام بشكل خاص شكّلت نقطة تحول في تناول هوليوود للمؤسسة العسكرية فقد غيّرت هذه الحرب إلى حدٍ كبير من صورة المقاتل الأمريكي الأمر الذي انعكس على صورته السينمائية أيضًا. ففي فيلم مثل “صائد الغزلان” “The deer hunter” الذي أنتج عام 1978 وقام بدور البطولة كل من “روبرت دي نيرو” “Robert De Niro” و “كريستوفر والكين” “Christopher Walken”، و”ميريل ستريب” “Meryl Streep” وغيرهم، سعى المخرج “مايكل كيمونو” “Michael Cimino” لرصد تأثير الحرب على الجنود العائدين إلى مدينة صغيرة في الولايات المتحدة. ولعلها المرة الأولى التي يظهر فيها الجندي الأمريكي لا كمقاتل مغوار، وإنما كشخص ممزق يعاني من آثار نفسية لحرب يشك في شرعيتها كما فقد فيها زملاؤه وإضطر الى قتل مدنيين أبرياء. ثم قدم ستون فيلم “مولود في الرابع من تموز ” ” born on the fourth of July”، من بطولة “توم كروز” “Tom Cruise”، والذي تناول القصة الحقيقية لجندي شارك في الحرب وفقد ساقيه ثم عاد الى الوطن ليتحول لواحد من أبرز مناهضي الحرب ويتعرض للقمع والضرب جراء مشاركته في تظاهرات الحركة المعارضة لها.
أما فيما يخص حرب العراق يُلاحظ أن السينما الأمريكية قدمتها على مدى عشرات السنين بمساحة كبيرة، وبأنواع مختلفة، وتناولتها بأكثر من شكل مابين الشكل السياسي، والتاريخي وكان أغلبها إن لم يكن الكل منها يؤكد على “معاناة الجنود الأمريكان، وسقوط الآف الضحايا منهم”. وأكثر من مئتي فيلم أنتجتها هوليوود عاصمة السينما الأمريكية منذ العام 2003 تناولت فيها ما حصل في العراق من زوايا عدّة البعض منها استند الى مقولة الروائي الألماني ريمارك في روايته الشهيرة والتي تحولت إلى واحدة من أعظم الأفلام السينمائية “كل شيء هادئ في الجبهة الغربية” حين كتب على لسان واحدة من شخصياته “أسوأ ما في الحرب أنّها تحول الناس إلى أرقام، أعداد لا يُكترث لها، يختزل فيها الإنسان ذاكرته، أحلامه، عائلته وأوجاعه إلى مجرد رقم”.
إن هذا الكم الكبير من الأفلام التي تحدثت عن الحرب العراقية أدخل تصنيفًا سينمائيًا أطلق عليه النقاد “أفلام حرب العراق”. في هذا الاطار يعد فيلم “القناص الأمريكي” “American Sniper”، أو ما يُطلق عليه “القناص الأسطورة” أحد أفلام الحركة (الأكشن والدراما) الأمريكية التي زوَّرت التاريخ، وتصرفت في الوقائع بطريقة فظة ليبدو المعتدي في صورة الضحية. فهو فيلم نموذجي في تحليل المادة الإعلامية الأميركية التقليدية التي تتميز بأمرين رئيسيين شهدهما الفيلم: اقتطاع سياق الأحداث للتضليل، وإعادة إنتاج الصور النمطية عن الذات والآخر ضمن ثنائية “أخيار/أشرار”. في الفيلم، يتحمس كريس كايل للانضمام إلى الجيش الأميركي، بعد أن يشاهد في التلفزيون تفجيرات نيروبي ودار السلام عام 1998، ثم يستجيب لهجوم 11 سبتمبر، بالذهاب مع رفاقه إلى العراق. وليس في الفيلم أي إشارة إلى قضية أسلحة الدمار الشامل، التي روجتها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش لتبرر بها غزو العراق، لكن الفيلم ضرب بالسياق عرض الحائط، ليقدم الرواية المتناسبة مع بطولات قناصٍ أميركي، يدفعه الاضطرار إلى غزو العراق مع زملائه. وهنا، يتحول الغزاة إلى “ثائرين لكرامتهم الوطنية، ومدافعين عن وطنهم ضد خطر الإرهاب”.
أما في فيلم “خزانة الألم” “The hurt Locker” الذي حصد عدّة جوائز تدور أحداثه حول فريق تابع لوحدة إبطال مفعول القنابل فى الجيش الأمريكي خلال حرب العراق، وبقدر ما يركز على بطولات الفرقة الأمريكية فهو يقدم العراقيين “ككائنات غامضة مثيرة للشك”، وربما “إرهابيين محتملين”، ويقدم الجنود والضباط على أنهم “ملائكة يواجهون الموت”.
أفلام هوليوود لم تقف في تناولها لموضوع الحرب على العراق عند تصوير الأعمال الحربية كنوع من “الترويج أو الفضح لها”، وإنّما حاولت استدراج المشاهد كي يكون طرفًا فيها، من خلال الاشتغال على صدى هذه الحرب في داخل المجتمع ومن ثم التسلل إلى النفس الإنسانية، ويمكن القول أن وقعها الشعوريّ قد تجاوز ثراءها الفنّي في التصوير والتقديم من خلال القوالب الفنية، والمؤثرات البصرية المدهشة.