×

“وداعًا للمكاتب.. جيل Z يعلن ثورته على نمط العمل التقليدي!”

“وداعًا للمكاتب.. جيل Z يعلن ثورته على نمط العمل التقليدي!”

بقلم: آية علي الزين

مقدمة: زمن التحوّلات الكبرى

“وداعًا للمكاتب.. جيل Z يعلن ثورته على نمط العمل التقليدي!”في عالم يتغير بسرعة البرق، أصبح من الجليّ أن مكاتب العمل، كما عهدناها لعقود، لم تعد على رأس قائمة الضروريات بالنسبة لأجيال جديدة من القوى العاملة، وتحديدًا جيل “Z”. هذا الجيل، المولود بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الثاني من الألفية، جاء إلى الحياة في ظل انفجار التكنولوجيا، ونشأ في أحضان ثورة الاتصالات، ليعيد تعريف مفاهيم “الوظيفة”، و”الدوام”، و”بيئة العمل” جذريًا.

السؤال الذي بات يطرح بإلحاح: هل المكتب، كما نعرفه، أصبح نموذجًا بائدًا في عصر العمل المرن والعمل عن بعد؟ وما الذي يبحث عنه هذا الجيل الذي يتهمه البعض بالتمرد، ويرى فيه آخرون طليعة التغيير؟


جيل Z: خصائص جيل لا يعترف بالحدود التقليدية

يتميّز جيل Z بتركيزه العالي على التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، ورفضه القاطع لأنظمة العمل التي تهدر الوقت والطاقة دون مقابل حقيقي. يرى هذا الجيل أن العمل ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الذات، والاستمتاع بالحياة، وإحداث فرق حقيقي في العالم.

دراسات عديدة، أبرزها ما صدر عن شركة “Deloitte” العالمية في تقريرها السنوي حول الأجيال في سوق العمل (2023)، تشير إلى أن أكثر من 70% من موظفي جيل Z يفضلون فرص العمل التي توفر مرونة زمنية وجغرافية، حتى ولو كانت ذات دخل أقل من الوظائف التقليدية.

كما يُولي هذا الجيل اهتمامًا استثنائيًا للصحة النفسية والرفاهية، ما يدفعه لرفض البيئات التي تقوم على المراقبة الصارمة أو الهياكل البيروقراطية، ويفضلون بدلاً منها بيئات قائمة على الإبداع، الثقة، والانفتاح.


المكتب مقابل “اللا-مكتب”: صراع نماذج العمل

مع تسارع التحول الرقمي، فرضت الجائحة العالمية (كوفيد-19) واقعًا جديدًا على المؤسسات، سرّع من اعتماد نماذج العمل عن بعد والهجين. شركات كبرى مثل “Google” و”Meta” و”Amazon” تبنّت جزئيًا أو كليًا سياسات العمل من المنزل، وهو ما فتح أعين العديد من المدراء حول العالم إلى فوائد هذا النموذج من حيث الإنتاجية وتخفيض التكاليف.

لكن، لا تزال بعض المؤسسات تقاوم هذا التغيير، متمسكة بفكرة أن الحضور الجسدي ضروري لضمان الالتزام والتعاون والولاء. ويرى بعض الخبراء أن المكاتب توفر فضاءات للتفاعل الإنساني، وتعزز الانتماء المؤسسي، وتفتح المجال للتعلم غير الرسمي.

مع ذلك، فإن جيل Z، الذي نشأ على الشاشات والتطبيقات والمنصات، لا يرى في المكتب سوى “صندوق مقيد”، لا يتيح له الانطلاق والإبداع، بل يحد من إمكانياته.


تأثير هذا التحول على سوق العمل العالمي

تحوّل عقلية الموظف إلى عقلية “المساهم المستقل” أعاد رسم ملامح سوق العمل. فقد ازدهرت منصات العمل الحر (Freelancing) والمنصات الرقمية التي توفر وظائف مؤقتة ومهام محددة، مثل Upwork وFiverr وToptal، حيث بات العديد من الشباب يحققون دخلاً يفوق ما تقدمه الوظائف المكتبية.

في المقابل، تجد الشركات نفسها مضطرة لإعادة النظر في سياسات التوظيف، وثقافتها المؤسسية، وحتى في تصميم الوظائف ذاتها. مفهوم “الاحتفاظ بالمواهب” لم يعد مرتبطًا بالرواتب العالية فحسب، بل بالمرونة، والثقة، والدعم النفسي، وحتى الالتزام المجتمعي والبيئي للمؤسسة.


النتائج: بيئة العمل المستقبلية بعيون جيل Z

تشير التقارير إلى أن بحلول عام 2030، سيشكّل جيل Z ما يقارب 30% من القوى العاملة حول العالم. وهذا يعني أن القيم التي يحملها هذا الجيل، ستتحوّل تدريجيًا إلى معايير معيارية في بيئة العمل المستقبلية.

  • المكتب كمفهوم مادي سيتراجع لصالح المساحات المرنة والعمل السحابي.
  • الإدارة الأفقية (بدلاً من الهرمية) ستصبح النمط السائد.
  • العمل القائم على الأهداف والنتائج سيحلّ محلّ نظام الساعات الجامدة.
  • ثقافة الراحة النفسية والشفافية ستصبح شرطًا أساسيًا لجذب الكفاءات.

خاتمة: هل آن الأوان لتوديع المكتب؟

ربما لا يختفي المكتب تمامًا، لكنه سيفقد سلطته المركزية. جيل Z لا يبحث عن الهروب من المسؤولية كما يُتهم أحيانًا، بل عن إعادة صياغة العمل بطريقة تتماشى مع روح العصر واحتياجات الإنسان الحقيقية.

إنها ثورة صامتة يقودها جيل وُلِد ليكسر القيود، ويُعيد تصميم الحياة العملية كما يجب أن تكون: مرنة، إنسانية، وذات مغزى.

صحفية وباحثة في مجال الإعلام، حاصلة على درجة الماجستير في الإعلام والتواصل الجماهيري والدراسات السينمائية. مؤسِّسة مجلة "فكر وخبر"، وتهتم بالكتابة في قضايا السياسة والفكر والثقافة والإعلام.