المستقبل بعد ChatGPT: مهن ستختفي وأخرى ستولد
يشهد العالم اليوم نقطة تحوّل فارقة مع التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها النماذج اللغوية مثل ChatGPT. هذه الأدوات لم تعد مجرّد تطبيقات تجريبية أو رفاهية تقنية، بل أصبحت تدخل بعمق في تفاصيل حياتنا اليومية، من التعليم والإعلام إلى الطب والأعمال. ومع هذا التحوّل، يطرح سؤال جوهري نفسه: كيف سيؤثّر الذكاء الاصطناعي على سوق العمل؟ وأي مهن ستختفي لتفسح المجال أمام أخرى ستولد؟
مهن مهددة بالاندثار
لا شك أنّ بعض الوظائف التي تعتمد على التكرار أو على المهام الروتينية ستكون أولى الضحايا. على سبيل المثال:
- خدمة الزبائن التقليدية: أنظمة الدردشة الذكية باتت قادرة على التعامل مع استفسارات ملايين العملاء في الوقت نفسه، وبسرعة ودقّة تفوق الإنسان.
- إدخال البيانات والمهام المكتبية البسيطة: لم يعد هناك حاجة لتوظيف فرق ضخمة لتعبئة جداول أو مراجعة ملفات، فالخوارزميات تقوم بذلك بشكل آلي.
- الترجمة السطحية: رغم أنّ الترجمة الأدبية المتخصصة ستظل بحاجة إلى الحس الإنساني، فإنّ الترجمات التقنية واليومية أصبحت شبه محتكرة للذكاء الاصطناعي.
- الصحافة الإخبارية السريعة: الأخبار العاجلة والبيانات المباشرة بات بإمكان الروبوتات صياغتها بدقة، ما يجعل الصحفي التقليدي الذي يكتفي بالنقل عرضة للاستبدال.
مهن ستولد من رحم الذكاء الاصطناعي
في المقابل، لن يكون المستقبل مظلماً كما يظن البعض، بل سيحمل معه فرصاً جديدة ومسارات لم تكن موجودة من قبل:
- مهندسو الذكاء الاصطناعي ومصممو النماذج: هؤلاء سيكونون بمثابة المعماريين الجدد لعصر التقنية، فهم من يطوّرون الخوارزميات ويضبطونها.
- خبراء “الهندسة التوجيهية” (Prompt Engineering): مهنة حديثة تقوم على صياغة الأسئلة والأوامر بطريقة تجعل الذكاء الاصطناعي يقدم أفضل النتائج.
- المحللون الأخلاقيون والقانونيون للذكاء الاصطناعي: مع تعاظم دور هذه التقنيات، ستبرز الحاجة إلى من يضع الضوابط ويحدد الحدود القانونية والأخلاقية لاستخدامها.
- المبدعون الهجين: الكتاب والفنانون والمصممون الذين يوظفون الذكاء الاصطناعي كأداة توسّع خيالهم وتفتح أمامهم عوالم إبداعية جديدة.
- المتخصصون في صيانة البيانات وأمنها: إذ ستصبح البيانات المورد الأهم، وستنشأ وظائف لحمايتها وتنظيمها وضمان نزاهتها.
بين الخوف والفرصة
التاريخ يثبت أنّ كل ثورة صناعية جلبت معها مخاوف مشابهة. حين ظهرت الآلات البخارية، خشي العمال من البطالة، لكن المهن الجديدة التي وُلدت يومها كانت أكثر وأعمق أثراً. اليوم يتكرر المشهد مع الذكاء الاصطناعي: بعض المهن ستختفي بلا رجعة، لكن مهن أخرى ستولد، ربما لم نتخيلها بعد.
المستقبل إذاً ليس معركة بين الإنسان والآلة، بل رحلة تكامل بين الاثنين. من يفهم هذه المعادلة مبكراً، ويطوّر مهاراته في مجالات الإبداع، التحليل، والتفكير النقدي، لن يكون ضحية، بل سيكون في طليعة المستفيدين.


