أغرب الحقائق عن الإعلام والسينما: حين تختلط الحقيقة بالوهم
بقلم: آية علي الزين
في عالم الإعلام والسينما، تختفي الحدود بين الواقع والخيال أكثر مما نتصوّر. فالسينما ليست مجرّد وسيلة ترفيه، ولا الإعلام مجرّد قناة لنقل الأخبار. إنهما أداتان هائلتان لتشكيل الوعي، وصناعة الصورة الذهنية، وإعادة رسم التاريخ في عقول الجماهير. لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن وراء هذا العالم المضيء على الشاشات أسرارًا وحقائق غريبة تكشف حجم القوة التي يمتلكها الإعلام والسينما في توجيه البشر، وصناعة الرأي العام، وحتى في التأثير على السياسة والاقتصاد.
أولاً: الإعلام ليس محايدًا أبدًا
على الرغم من أن الخطاب الإعلامي يروّج لنفسه باعتباره ناقلًا للحقيقة، فإن الحقيقة نفسها غالبًا ما تُصنع داخل غرف التحرير.
في دراسة لجامعة “هارفارد”، تبيّن أن نسبة التحيّز في التغطيات الإخبارية للقضايا السياسية العالمية تتجاوز 70%، وغالبًا ما تُدار وفق أجندات الدول الكبرى أو مصالح المؤسسات المموِّلة.
حتى استخدام الكلمات ليس بريئًا: فالمصطلحات مثل “عملية عسكرية” بدلًا من “غزو”، أو “خسائر جانبية” بدلًا من “ضحايا مدنيين”، هي أدوات لغوية مقصودة تُستخدم لتوجيه الرأي العام وتخفيف وقع الأحداث على المتلقي.
ثانيًا: السينما سلاح ناعم للدعاية
السينما منذ بداياتها لم تكن محايدة. في الحربين العالميتين، استخدمتها القوى الكبرى لتبرير حروبها وتجميل صورتها أمام الشعوب.
فيلم مثل Triumph of the Will (انتصار الإرادة) الذي أخرجته ليني ريفنشتال في ألمانيا النازية، كان تحفة فنية من حيث التصوير والإخراج، لكنه في الجوهر كان أداة دعائية ضخمة لهتلر.
وفي المقابل، أنتجت هوليوود عشرات الأفلام خلال الحرب الباردة لتشيطن الاتحاد السوفييتي وتقدّم الولايات المتحدة بوصفها رمزًا للحرية والديمقراطية.
حتى اليوم، لا تزال السينما الإسرائيلية والأمريكية تستخدم تقنيات السرد السينمائي لتشكيل تصوّرات محددة عن قضايا الشرق الأوسط.
ثالثًا: هوليوود تتحكم في الاقتصاد الثقافي للعالم
قد يبدو الأمر مبالغًا فيه، لكن السينما الأمريكية هي واحدة من أقوى أدوات النفوذ الثقافي والاقتصادي في العالم.
تُقدّر صادرات هوليوود من الأفلام بما يفوق 30 مليار دولار سنويًا، وهي تمثّل أكثر من 60% من سوق السينما العالمي.
لكن الأخطر هو تأثيرها غير المباشر: فكل فيلم أمريكي يروّج لأسلوب حياة، وثقافة استهلاكية، وصورة مثالية “للحلم الأمريكي”، ما يجعل المشاهدين حول العالم يتبنون تلك القيم دون وعي.
بمعنى آخر، كل تذكرة فيلم تُباع في صالة عرض خارج أمريكا هي تصويت رمزي لصالح الثقافة الأمريكية.
رابعًا: العلاقة السرّية بين السينما وأجهزة المخابرات
من الحقائق المدهشة أن التعاون بين هوليوود ووكالة المخابرات المركزية (CIA) ليس خيالًا بل حقيقة موثّقة.
وثائق أُفرج عنها مؤخرًا كشفت أن عشرات الأفلام، من بينها Argo وZero Dark Thirty، حظيت بدعم مباشر من الـCIA والبنتاغون، مقابل تعديل بعض التفاصيل أو عرضها بطريقة تخدم المصالح الأمريكية.
بل إن بعض الأفلام تُستخدم لتلميع صورة المخابرات بعد الفضائح، كما حدث بعد التسريبات حول التعذيب في “غوانتنامو”، حيث صدرت أفلام تبرّر تلك الأساليب تحت شعار “محاربة الإرهاب”.
خامسًا: كيف تغيّر السينما ذاكرتنا التاريخية؟
الإنسان لا يتذكّر التاريخ كما هو، بل كما رآه في الأفلام.
من خلال الصورة، تُعاد صياغة الأحداث بحيث تصبح السينما المرجع البصري الوحيد للذاكرة الجماعية.
على سبيل المثال، أغلب الناس يعرفون الحرب العالمية الثانية من أفلام هوليوود أكثر مما يعرفونها من كتب التاريخ، وهذا ما يمنح السينما قدرة على إعادة كتابة الماضي.
وهنا الخطر الأكبر: حين تصنع السينما “نسخة جميلة من التاريخ”، يصبح من الصعب تصديق الحقيقة الأصلية حتى لو ظهرت وثائق تناقضها.
سادسًا: الإعلام يصنع النجم… والنجم يصنع الحقيقة
في عصر الإنترنت، لم تعد الحقيقة هي ما يحدث فعلاً، بل ما يُعرض ويُتداول على المنصات.
الإعلام قادر على تحويل شخص عادي إلى نجم عالمي بين ليلة وضحاها، كما أنه قادر على إسقاط أي شخصية مهما بلغت قوتها.
وهذا ما يسميه الباحثون “اقتصاد الانتباه”، حيث تُقاس القيمة الإعلامية بالقدرة على جذب العيون لا بالمضمون.
إننا نعيش في زمن تُباع فيه الحقيقة حسب نسبة المشاهدات، وتُقاس فيه المصداقية بعدد المتابعين.
سابعًا: الخيال أحيانًا أكثر صدقًا من الواقع
المفارقة أن بعض الأفلام الخيالية توقّعت المستقبل بدقة مدهشة.
فيلم 1984 لجورج أورويل (المقتبس من الرواية الشهيرة) تنبأ بمجتمع المراقبة والرقابة الرقمية.
وفيلم The Truman Show كشف قبل عقدين فكرة “العالم الوهمي” الذي يعيشه الإنسان داخل شاشاته.
وهذا يجعلنا نتساءل: هل السينما مرآة الواقع أم نبوءة له؟
ثامنًا: الشاشة لم تعد تفصل بيننا وبين العالم… بل أصبحت العالم نفسه
اليوم، لا يمكن التفريق بين “الإعلام” و”السينما” كما في الماضي.
كل محتوى بصري، من فيلم سينمائي إلى مقطع قصير على “تيك توك”، أصبح جزءًا من الصناعة الكبرى نفسها: صناعة الصورة.
وهذه الصناعة لا تكتفي بنقل الواقع، بل تعيد تشكيله وفق مصالح السوق والسياسة والتوجّه الثقافي.
النتيجة: نحن نعيش داخل “سينما جماعية”، حيث الكل ممثلون ومشاهدون في آن واحد.
في الختام
الإعلام والسينما ليسا مجرد وسيلتين لنقل المعرفة أو الترفيه، بل منظومتان تتحكمان في كيفية رؤيتنا للعالم.
إن فهمنا لهذه الحقائق هو الخطوة الأولى نحو وعي نقدي يجعلنا نُفرّق بين ما يُقال لنا وبين ما يُراد لنا أن نصدّقه.
فالسينما قد تخدعنا بجمالها، والإعلام قد يُغرقنا بالمعلومات، لكن الوعي هو الفيلم الحقيقي الذي يجب أن نُخرجه نحن.


