منابر الحرية أم منصات الكراهية؟ الإسلاموفوبيا في الديمقراطيات الغربية
جميع الحقوق محفوظة © لمجلة فكر وخبر
أصبح رهاب الإسلام الذي اصطلح عليه الغرب “الإسلاموفوبيا” موضوعًا للنقاش على نطاق واسع، خصوصًا مع تزايد الأحداث والعوامل التي ساهمت في تغذية هذه الظاهرة من جهة وتزايد العداء نحو المسلمين من جهة أخرى. اقترنت الإسلاموفوبيا بتصاعد موجة العنصرية والكراهية ضد الإسلام، وباتت نظرة الغرب إلى المجتمعات العربية والإسلامية على أنها “متخلفة وإرهابية ومنتهكة لحقوق الإنسان، وبعيدة عن التسامح واحترام الآخر”.
إن هذه النظرة للإسلام لا تتفق مع الواقع إذ أنها تنطلق من حالات معينة إلى تعميمات على مجتمعات بأكملها، أي هجوم على الإسلام كنتيجة مباشرة لأعمال سلبية يقوم بها بعض المسلمين. ولا تتوقف عند مستوى الفكر بل تتعداها إلى مستوى العمل من خلال تهميش المسلمين وتشويه صورتهم، وحتى إلى ارتكاب جرائم وهذا ما ظهر جليًّا في العام 2019 في مذبحة مسجد نيوزيلندا التي راح ضحيتها العشرات وكان هدف المعتدي، على حدّ قوله، “زرع الخوف في نفوس من وصفهم بالغُزاة”. ولكن ما يُشكّل خطورة حقيقية هو استثمار الإسلاموفوبيا بهدف تحقيق مكاسب سياسية بما يخدم المشاريع الأيديولوجية والثقافية والاستفادة من تأزم الأوضاع بين المسلمين والغرب.
إنطلاقًا من ذلك يسعى هذا المقال البحثي الى الإجابة على التساؤلات التالية:
– كيف نشأت الإسلاموفوبيا وتطورت؟
– ما العوامل التي ساهمت في تغذية هذه الظاهرة وانتشارها؟
– ما أبرز مظاهر الإسلاموفوبيا؟
– ما دور وسائل الإعلام في نشر الإسلاموفوبيا وكيف تتجسد في الخطاب الإعلامي الغربي؟
– كيف عزز الإعلام الرقمي تنامي الإسلاموفوبيا؟
– ما دور الإعلام في مواجهة الإسلاموفوبيا وما مدى الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني؟
مفهوم الإسلاموفوبيا
إن الإسلاموفوبيا ليس إلا مصطلحًا جديدًا لظاهرة قديمة، تتأثر بعوامل عدّة صعودًا وهبوطًا حيث يوثق الباحث في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس وليد الزيدي في دراسته عن “جذور الإسلاموفوبيا”، أن المصطلح الذي يعني “الرهاب الإسلامي”، جاء من اللغة الإنجليزية، حيث استخدم للمرة الأولى عام 1997 عندما قامت خلية تفكير، بريطانية التوجه، تدعى “رنيميد ترست” باستخدامه لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام والمسلمين. (الأنصاري، 2020)
في عام 2005، دخل مفهوم الإسلاموفوبيا إلى المعاجم الفرنسية بدءًا بمعجم (Le petit Robert) الذي عرف الإسلاموفوبيا كالتالي: “شكل خاص من الحقد موجه ضد الإسلام والمسلمين، يتجلى بفرنسا في أفعال عدائية وتمييز عنصري ضد المهاجرين المنحدرين من أصول مغاربية”. (كربويسا، 2016، ص 75) كما يُعّرف قاموس لاروس (La Rousse) الفرنسي “الإسلاموفوبيا” بأنها: “معاداة الإسلام والمسلمين” في حين يُعَّرفها قاموس أكسفورد (Oxford) الإنكليزي بأنها: “الخوف والكراهية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين، كقوة سياسية تحديدًا.”(الزيدي، 2016، ص17)
بشكل عام فالمعروف أن بناء المفاهيم لا يتم بعفوية ولا ببراءة، بل إن المفهوم في حد ذاته هو عبارة عن شحنة أيديولوجية، وضعت أساسًا لخدمة الجهة التي سعت الى بنائه ونشره، فعند الأخذ بعين الإعتبار أن الدوائر الإعلامية والبحثية والسياسية الغربية هي التي قامت بالتأسيس لمفهوم الإسلاموفوبيا يتضح أن بناء هذا المفهوم في حد ذاته كان بناءً عنصريًّا. (غماري،2017، ص21)
الجذور التاريخية لظاهرة الإسلاموفوبيا وتطورها
إن الإسلاموفوبيا ليست حديثة النشأة، فلم تظهر منذ الغزو الإستعماري الغربي الحديث الذي اجتاح العالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وليست وليدة أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ولكن ظاهرة التشويه للإسلام والتخويف منه تعود إلى الحروب الصليبية (1096-1292م) على الشرق الإسلامي، والتي دامت قرنين من الزمن. (صديق،2016)
ومنذ العهود القديمة حذر بعض المفكرين الغربيين أمثال برنارد لويس، من الغزو الإسلامي وأحياناً “أسلمة أوروبا” وحتمية الصراع بين الثقافتين. وفي فرنسا التي كانت مواقف السياسيين فيها موضع جدل. ويعتبر فولتير رمز فلسفة عصر الأنوار أول من أطلق ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال مسرحية “التعصب” عام 1741 وأمعن فيها بتشويه صورة الإسلام (بومدين،2019، ص60) من جهة أخرى شكّل فولتير (قمة التناقض)، فبينما يرى في كتاب ألفه عام 1763 أن “الإسلام أروع دين جاء من الإله”؛ أهدى كتابًا إلى البابا يحمل عنوان “محمد أو المتعصب”. (الأنصاري،2020)
كما شهد القرن العشرين أحداث كبرى ومنعطفات تاريخية كان لها أثركبيرة في تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا وانتشارها كالحرب العالمية الثانية وتأسيس الكيان الصهيوني والحرب الباردة ثم بداية عصر العولمة.
بشكل عام بدأت الإسلاموفوبيا بالتنامي في أوروبا منذ مطلع التسعينيات إثر إنتهاء الحرب الأفغانية والحرب التي شنها التحالف الدولي ضد العراق عام 1991، فضلاً عن أسباب أخرى ساعدت على نشوئها وظهورها ومن ثم تكوينها بالشكل الحالي. فمن الممارسات العدائية ضد المسلمين في الغرب الى الإعتداء على الرموز الإسلامية بأشكال مختلفة ومتواترة، كذلك اتباع سياسات العنصرية والتهميش، من جهة أخرى فإن مسألة تطرف بعض الملسمين في الغرب ولأسباب أيديولوجيا من بين الدوافع التي ساهمت بظهور وتنامي الإسلاموفوبيا. وباستخدام مصطلح الإسلاموفوبيا زادت الكراهية أكثر بين الإسلام والغرب وتكرست النزعة “الإسلاموفوبية”. (الزيدي،2016، ص20) كما أن الدور المؤثر والقومي للوجود اليهودي في أوروبا أثر سلبًا على العلاقات الأوروبية الإسلامية ووسع الفجوة بينهما خصوصًا أن هناك نفوذًا كبيرًا لليهود في أوروبا داخل الحكومات والأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات البحث العلمي.(خليفة، منديل، مهيدي،2020،ص375)
ومن عوامل تطور الإسلاموفوبيا أيضًا سرعة انتشار الإسلام وتزايد أعداد المسلمين وظهور قوتهم بشكل بارز داخل الأوساط والمجتمعات الغربية ذاتها خصوصًا بعد نشر الفاتيكان عام 1985 إحصائيات تُشير الى أن أعداد المسلمين فاق عدد الكاثوليك، ومنذ ذلك الحين بدأت حملات قويّة ضد الإسلام والمسلمين وتنامى الحديث عن التطرف الديني وازداد الخوف مما أطلق عليه “الخطر الإسلامي الأخضر” (بن سعيد، 2010،ص106)
كما أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية شكّلت علامة فارقة وتحولاً نوعيًا في واقع العلاقات الدولية وساهمت ببروزالإسلاموفوبيا بشكل أكبر. هذا الحدث الذي أعاد طرح إشكالية المواجهة الحضارية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي والتي بشر بها عدد من المفكرين الغربيين منذ نهاية الحرب الباردة،حيث روجوا لظهور الإسلام باعتباره عدوًا جديدًا للغرب بدلاً من الشيوعية ممثلة بالإتحاد السوفيتي. ومنذ عام 2005 اتخذ مفهوم الإسلاموفوبيا شكلاً خاصًا من الحقد والكراهية وموجهًا ضد الإسلام والمسلمين وتجلّى بفرنسا في أعمال عدائية وتمييز عنصري ضد المهاجرين. (بومدين، 2019، ص61)
لقد برهن العديد من المفكرين الغربيين على أن الإسلاموفوبيا مجرد وهم تخويف من الإسلام كان وراءه المحافظون الجدد والتيار المسيحي اليهودي واليمين المتطرف والحركة الصهيونية العالمية،بالإضافة الى بعض الحكومات الغربية التي تكّن العداء غير المسوّغ للإسلام والعالم الإسلامي. كما وأدّت الدعاية المعادية للإسلام في الغرب المتوفرة على سلطة إعلامية فائقة دورًا كبيرًا في تجذير العقلية الجماعية المعادية للإسلام، وأدت الى نشوء فكرة العداء للإسلام في اللاوعي عند الغربيين مستندة الى الأرضية والإستعداد النفسي والتأثير الدفين الذي رسخته الدراسات الإستشراقية المتحاملة على الإسلام والمضامين الثقافية للمقرارات والكتب المدرسية المتداولة في المؤسسات التعليمية الغربية. إنها سلسلة محكمة الحلقات متفاعلة ومتداخلة فيما بينها ويعد الإعلام الغربي أحد مكونتها الرئيسية إن لم يكن أخطرها على الإطلاق. (المرجع السابق،2010،ص.ص115-114)
إن بروز تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية والمتطرفة ساهما بتعزيز رهاب الإسلام خصوصًا في أعقاب الهجمات الإرهابية الدموية التي ضربت باريس عام 2015 وتبني داعش لها، الأمر الذي أثر أيضًا بشكل سلبي على الجاليات الإسلامية في أوروبا.
أسباب تنامي الإسلاموفوبيا
تتنوع وتتعدد الأسباب المؤدية الى إنتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، ويبدو أن تصاعدها مرتبط بعدة عوامل ويُمكن إرجاعها الى أسباب خارجية وداخلية والتي تتضمن في طياتها أسبابًا تاريخية، ودينية، وسياسية، وأيديولوجيا وهي في تداخل مع بعضها البعض.
ويُمكن إرجاع أسباب تفشي الإسلاموفوبيا في الأوساط الغربية الى عدّة أسباب كاحتواء التاريخ على الكثير من الوقائع والصّراعات بين الإسلام والغرب والتي كانت مبنية على العداء والكراهية،والجهل بالإسلام الأمرالذي جعل الغرب يميل الى الريبة والخوف من هذا الدين ومعاداته،والخلط بين الدين الإسلامي وواقع المسلمين، نتيجة معاناة الأمّة الإسلاميّة على مدى قرون عدّة،من أزمات إقتصادية أو أجتماعية أو سياسية أو ثقافية الى جانب ربط الإسلام بسلوكيات فردية.(بومدين،2019، ص61)
إن ربط الإسلام بالعنف والإرهاب وهذا ما نجده في الخطابات السياسيّة والكتابات العلمية لدى روّاد الإسلاموفوبيا، ساهم بتعزيز الإسلاموفوبيا ولكن طبيعة المعرفة التي يحملونها الكتّاب عن الإسلام لا تعكس جهدًا كبيرًا في التقصي والبحث الأكاديمي، ولهذا فهي أسيرة نمطية ونظرة تجزيئية، وبعد عن الواقع،فكثير من الكتاب المحسوبين على هذا التيار يكتبون كما يكتب بعض المستشرقين، كما ينتهون الى خلاصة لا تخدم سوى دعاة تأجيج الأوضاع بين المسلمين والغرب، ومن هؤلاء الباحثين الكاتب والصحفي الفرنسي رينيه مارشون “Renee Marchand” الذي ذكر في كتابه المعنون “فرنسا وخطر الإسلام بين الجهاد والفتح” “أن الإسلام ليس لديه سوى عنف وقتل وعبودية عبر تاريخه الطويل ولا يُمكن أن يكون سلامًا ومحبة على الإطلاق” (لغرس،2019، ص32) كما أرجع الباحث في المركز العربي للأبحاث شمس الدين الكيلاني ارتباط التطرف بالإسلام والمسلمين الى المظاهرالتي تظهر في البلاد العربية بغض النظرعن دواعيها وأسبابها، بالإضافة إلى أن الاعلام الغربي أقوى من إعلام المسلمين والعرب. (الجزيرة،2016) خصوصًا أن الإعلام الغربي واليميني يعمل على تضخيم الأخطاء التي ترتكب من قبل الجاليات المسلمة، في ظل جهل كبير في حقيقة الدين الإسلامي من قبل المواطن الغربي،ومعلوم حجم وقدرة الإعلام في تشكيل قناعات الناس وتوجهاتهم. ومن الأسباب أيضًا عدم قدرة الفئات المسلمة المتدينة على الاندماج في المجتمعات الغربية والتعايش معها، وتفشي المدرسة السلفية المتشددة بين المسلمين المتدينين في الغرب ساهم في منع هذا الاندماج؛ إذ تشكل السلفية التجمع الأكبر للمسلمين في أستراليا مثلاً، بينما يكون تأثير الجماعات الدينية المعتدلة أقل في أوساط الجاليات المسلمة المتدينة. (العودات، 2019)
كما أن كثرة استغلال الأزمات من قبل سياسيين وإعلاميين ومثقفين للترويج لمفاهيم جديدة أو التذكير بمفاهيم قديمة أضحت طي النسيان، يزيد من عوامل الإحتقان بين المسلمين والمجتمعات الغربية في هذا السياق نجد المفكر والسوسيولوجي الفرنسي “أوليفييه روا” “Olivier Roy” ينتقد البعض في الغرب ممن يستخدمون مصطلحات مثل “الإسلاموية” والإسلام الراديكالي، والسلفية، والوهابية” دون فهمها بشكل جيد،واعتبر أن من يتحدثون عن خطر الإسلام يقومون بذلك في محاولة منهم الى تصوير أن هناك صدام حضارات أو بسبب الجهل بحقيقة الإسلام،وهناك من يرى أن الغرب في كل الأحوال غير قادر على فهم العالم الإسلامي لأسباب عديدة بعض منها يتعلق بالأعراق وصعوبة فهم عادات وتقاليد الغرباء أو ديانتهم وهو ما يولّد عوامل الضيق بالإسلام في الغرب،ويخلق توجهات معادية للإسلام. (الزيدي،2016، ص.ص22-21)
إنطلاقًا من ذلك يتبين أن هناك الكثير من الأسباب التي أدّت لانتشاروتنامي الإسلاموفوبيا في الوسط الغربي والعربي معًا وتتداخل الأسباب مع بعضها البعض،لكنها تنحصر في العامل الأيديولوجي من خلال الرؤية التي ترى أن الإسلام دين عنيف،ومتخلف ومناقض للديمقراطية ومنتهك لحقوق الإنسان. (لغرس، 2019، ص34)
مظاهر الإسلاموفوبيا
أصبحت الإسلاموفوبيا واقعًا معاشًا في الكثير من الدول الغربية، وتتضح معالم هذه الظاهرة بالكثير من المظاهر المختلفة نوجزها بالتالي:
أ- الإعتداء على المسلمين
تفاقمت في السنوات الأخيرة الإعتداءات على المسلمين في الدول الغربية ولكن بدايةً لا بد أن نُشير الى أن هذه الإعتداءات ليست ظاهرة حديثة حيث سجل في العام 2013 في فرنسا بحسب دراسة لمعهد (IPSOS) أن الدين الإسلامي يُقابل برفض وتخويف كبيرين من قبل المجتمع الفرنسي،إذ أن نسبة 39% من السكان يرون أن الإسلام ديانة غير متسامحة و74% يرون أنها غير منسجمة وقيم الجمهورية الفرنسية، إذًا ليس من المستغرب أن يتزايد الإعتداء على المسلمين في العام 2015 خصوصًا بعد الإعتداءات الإرهابية في فرنسا.(الزيدي،2016، ص24) أما في عام 2020 ووفقًا لرئيس المرصد الوطني للإسلاموفوبيا عبد الله زكري، وقع 235 هجوماً على المسلمين في فرنسا، بعد أن كان 154 في العام 2019، أي بزيادة قدرها 53٪. وأضاف زكري أن الهجمات على المساجد قفزت بنسبة 35٪ في العام نفسه. (Daily Sabah, 2021) كذلك في ألمانيا تزايد الإعتداء على المسلمين عام 2020حيث ذكر تقرير لصحيفة “نويه أوسنبروكه تسايتونغ” أن عدد الاعتداءات (الجسدية كما اللفظية) على المسلمين والمؤسسات الإسلامية مثل المساجد زاد في ألمانيا وسجلت السلطات ما لا يقل عن 901 حادثة مناهضة للمسلمين في عموم ألمانيا. (دوتشيه فيليه،2021)
ب- الخطابات والحملات الإسلاموفوبيّة
يتجلى رهاب الإسلام في خطابات وحملات منهجية لتشويه صورة الإسلام وتهميش المسلمين والترويج الى فكرة أن الإسلام يُشكّل خطرًا وتهديدًا على الغربيين، ويتم التركيز في هذه الخطابات على أن الإسلام غير متوافق مع قيم الغرب ولا ينبغي إعطاء المسلمين فرصة العيش في المجتمعات الديمقراطية،وفي الكثير من الأحيان يقوم بهذه الخطابات شخصيات شعبية وبارزة.(مرصد منظمة التعاون الإسلامي،2015، ص27) حيث يتم إستخدام مصطلحات ممنهجة وشعارات مؤثرة، كما يظهر في خطابات الرؤساء وكتابات بعض المستشرقين بشكل واضح عقدة تفوق وعظمة الغرب على المسلمين.
ج- صعود اليمين المتطرف وخطابه
يمكننا ملاحظة الصعود السريع لليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، وعلاقة ذلك بالخطاب الشعبوي لتعبئة الجماهير خلف بعض القضايا؛على رأسها الإسلاموفوبيا، وانتقاد ظاهرة الهجرة. وبالتالي فإن أحزاب اليمين المتطرف كنسق فكري موحد تسعى من خلال برنامجها المعادي للهجرة الى خطاب يحد من من “خطر” المهاجرين، بحيث تُصوِّرهم وكأنهم تهديد للهوية الإثنو-وطنية وتعتبر أنهم يزيدون من البطالة والجريمة في أوروبا. (عودة،2020)
وكانت أحزاب اليمين المتطرف في مقدمة الأصوات التي تبنت الخطاب الإسلاموفوبيا في الغرب، بل أنّ مبادئها تجعلها تظهر وكأنها أحزابًا إسلاموفوبية. والملاحظ أن العديد من المبادرات تم تقديمها من قبل اليمين المتطرف في أوروبا عبر استراتجيات مشتركة عبر وطنية سمّوه “أسلمة أوروبا” ولقد حظي هذا المفهوم بنقاش واسع في الأدبيات اليمينية في الغرب، وهويعني أن المسلمين الذين يمثلون حضارة “دونية” يحصلون على مزيد من التغلغل والنفوذ بما يكفي لتشكيل تهديد حقيقي للهوية الأوروبية، في حين يقوم الفكر اليميني المتطرف على فكرة “الإستعلائية” على أنهم أفضل من المسلمين (زغوني، 2014، ص.ص127-126). من بين العوامل الأساسية التي تساهم في تنامي قوى اليمين المتطرف في أوروبا أنها تقوم بنوع مع التنسيق مع بعضها البعض، إذ تنظم هذه الجماعات لقاءات دورية لمناقشة القضايا المتعلقة بالإسلام وتوحيد جهودها ضده. (مرصد منظمة التعاون الإسلامي، 2015، ص35)
دور الإعلام الغربي في ترسيخ الإسلاموفوبيا
إن ظاهرة صنع صورة مسيئة للإسلام والمسلمين في الغرب ذات جذور تاريخية وامتدت لقرون عديدة، وهذه الظاهرة السلبية قد استأثرت بها وسائل الإعلام الغربية منذ العقد الأخير من القرن العشرين، إذ أمست ظاهرة تشويه الإسلام والحضارة الإسلامية في وسائل الإعلام ظاهرة جديرة بالبحث والمتابعة، فقد تمكنت هذه الوسائل من نقل صور التشويه والتمييع من الكتب والدراسات الإستشراقية الى أعمدة الصحف وشاشات التلفاز، فغدت تلك الصور واسعة الإنتشار لدى الجماهير بعد أن كانت متداولة في أوساط النخب، ولذلك فإن صورة الإسلام، عقيدة وثقافة، وحضارة تتعرض لكثير من التحريف والتضليل في أغلب وسائل الإعلام الغربية التي تحولت الى آلة لتوجيه وعي الجماهير في المجتمعات الغربية، في إطار استراتجية لا تترك مساحة لحرية الفكر والإكتشافات. (بن سعيد،2010،ص.ص 89-88)
إن الإسلاموفوبيا والإعلام مسألتان مترابطتان، فعند وقوع أي حادث ضد المسلمين في أي مكان في أوروبا، تتحرك وسائل الإعلام الغربية بشكل منهجي، وباستعمال الخبراء من مختلف الميادين،وفق الأيديولوجيا التي تقف وراء المال الذي يمول وسائل الإعلام المختلفة، فتكون التغطية موجهة ليس لفضح هذه الممارسات، وإنما لفضح ضحاياها، وهذا ما يجعل الكثير من الأفراد معرضين لمشاهدة صورة مشوهة عن الإسلام في الأفلام والبرامج التلفزيونية الشعبية وحتى في مجلات الرسوم المتحركة، إذ يُقدم المسلم دائمًا وفق صورة نمطية واحدة، “كعربي إرهابي” يمثل خطرًا على الحضارة الغربية في عقر دارها. وتعتمد وسائل الإعلام الغربية عدّة استراتجيات أثناء المعالجة والتغطية الإعلامية، فتحولها هذه الإستراتجيات من جزء من الحل، الى طرف في المشكلة الإسلاموفوبية،وعوض أن تسعى الى التخفيف من الضغط، والبحث عن حلول علمية، فإنها تتعمد معالجة وتغطية إعلامية تضليلية محرفة، وتبريرية منحازة الأمر الذي يزيد من التصرفات الإسلاموفوبية ونوعيتها.والمعضلة تكمن في أن الإعلام الغربي يتبنى وفق الإستراتجية التضليلية مبدأ التعميم فيأخذ أفعالاً قام بها بعض المسلمين ويعممها على المسلمين كافة.( غماري،2017، ص.ص63-34)
على سبيل المثال فقد وجد الإعلام الفرنسي في بعض الأحداث التي كانت فرنسا والغرب مسرحًا لها، مثل كتاب “آيات شيطانية” و”قضية الحجاب”، وأحداث 11 أيلول/سبتمبر2001، وأحداث مدريد 2004 والرسوم الكريكاتورية الدنماركية عام 2005 وغيرها من الأمور فرصة لممارسة كل أساليب التضليل والتنميط والتشويه موسعا بذلك دائرة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين والعرب. فمن خلال توظيف مصطلحات وعبارات تفتقد الى أخلاقيات الممارسة الإعلامية ولغة تحريضية، لم تتردد “النوفال ابسرفتار والإكسبرس” الأسبوعيتان الفرنسيتان مثلاً في توظيف أكثر مفردات السجل التخويفي والإسلاموفوبي قتامة في مقاربتها لبعض الأحداث حيث ركزت على مصطلحات وشعارات ممنهجة “كالإرهاب: الذين يهددون فرنسا”، “الحجاب المؤامرة كيف يقوم الإسلاميون باختراقنا” وغيرها الكثير من الشعارات التحريضية. (رابح، 2009، ص.ص20-19)
من هنا يتبين أن الإسلاموفوبيا تُشكّل مادة دسمة في وسائل الإعلام الفرنسية، ويعتبر الإعلامي محمد الزاوي أنه في فرنسا يوجد مفكرون وسياسيون ويمينيون فرنسيون يرون أن الإسلام والمسلمين خطرًاعلى ثوابت وقيم الدولة العلمانية، منتقدين سياسة التسامح مع المظاهر الإسلامية مثل “لحم حلال” والصلاة في الشوراع والحجاب وغيرها من الممارسات الإسلامية،واعتبر أن هؤلاء يخلطون بين التطرف الديني والثقافة الإسلامية،ويتكتلون عبر منظومة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام.(الزيدي،2016، ص15)
كما أن السينما وظفت بشكل مننهج في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتقديم العرب في صورة نمطية على أنهم “همج ورعاع” وأبرز مثال على ذلك الفيلم الوثائقي “العرب الأشرار” الذي يُبين بشكل واضح كيف تصور هوليود العرب بإسلوب مخجل ومبتذل وعنصري.
بشكل عام إن الوسائط المرئية لا تختلف عن سابقتها سوى أن الدرامية في مقاربتها “الأحداث الإسلامية” تبدو أكثر وضوحًا، وأن الإسلاموفوبيا والعنصرية توجه رؤيتها في كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين. وتتقاسم مع غيرها من الوسائط الأخرى استثمارها لآليات دعائية بعينها تتيح لها تمريرمضامين دون أن ينتبه لها الكثيرون.ومنها شخصنة الأحداث وتجزئتها وتنميطها وتعمد الى الإقصاء والإختزال واستعمال الوسم السياسي والعرقي.(رابح، 2009، ص.ص22-21)
من الطبيعي أن تُعاني المجتمعات الغربية من “الإسلاموفوبيا” وأن تتوجه أصابع الإتهام الى المسلمين مع كل حدث “ارهابي” لأن الإعلام الغربي يملك قوة من نواحي مختلفة وقدرة تأثيرية بإمكانها أن ترسخ صورة ذهنية ونمطية معادية لكل مسلم خصوصًا أن هذه الوسائل تعمل على “أسلمة الإرهاب” من خلال عمل دعائي متقّن، وبالتالي فإن المجتمعات العربية والإسلامية تُعاني من ضعف في الإعلام الديني على الرغم من تكاثر الفضائيات الدينية بشكل مستمر ولكنها لا تُقدم محتوى قيّم قادرعلى مخاطبة الغرب بلغتهم وإظهار صورة الإسلام الحقيقي وذلك يعود الى الكثير من العوامل، من أهمها إنشغال الكثير من الفضائيات الدينية بالمذهبية والصراعات الطائفية مما يجعل كل تركيزها ينصب على النيّل من الآخر.
دور الإعلام الرقمي في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا
منذ ظهور الإنترنت والإعلام الجديد ومواقع التواصل الإجتماعي لعبوا دورًا أساسيًا في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وزادت على أثرها خطابات الكراهية.
في هذا السياق ذكر تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي لعام 2019، أن “الخوف من الإسلام وخطاب الكراهية متفشٍ،لا سيما على شبكة الإنترنت، وأنّ المسلمين هم من بين أكثر ضحايا خطاب الكراهية استهدافًا في أوروبا.وازدادت ظاهرة مناهضة المسلمين سواء في العالمين الحقيقي أو الافتراضي بالدول الغربية بشكل كبير بعد عام 2015، عقب ما يعرف بـ”أزمة اللاجئين”. (الراوي،2020)
في تحقيق إستقصائي لصحيفة “الغارديان” تحدثت فيه عما وصفتها بـ “المؤامرة السرية”،التي تمكنت من خلالها مجموعة من أكبر تنظيمات وجماعات اليمين المتطرف حول العالم من السيطرة على صفحات ومجموعات كبيرة على موقع التواصل الإجتماعي الأشهر في العالم “فيسبوك”، والبدء في بث الكراهية ضد الإسلام، في حين أن إدارة “فيسبوك” لم تتخذ ما يكفي من إجراءات لوقف هذه الجريمة،فالتحقيق يتحدث عن مجموعة من الحسابات الغامضة التي تُدار من خلالها مئات الصفحات ذات الفكر اليميني المتطرف التي يتابعها الملايين،من أجل بث رسائل تحمل التمييز والكراهية ضد المسلمين والمهاجرين،بل وحتى ذوي الأصول المسلمة في الدول الغربية،وتعمل تلك المجموعات على نشر أكثر من ألف منشور إسبوعيًا،يصل المنشور الواحد إلى أكثر من مليون متابع.(الغر،2019)
ويركز خطاب بعض صفحات الإنترنت الغربية على أن الإسلام مسؤول عن الأنظمة التسلطية وخروقات حقوق الإنسان والعداء للديمقراطية،ولا يعرف فصل الدين عن الدولة، كما يتطلع الى السيطرة على العالم وأسلمته، ويقوم على تبشير وتدمير،وقمع الديانات الأخرى ويعمدون الى تشبيه الإسلام بالفاشية ومعاداة اليهود والسامية وغيرها الكثير من خطابات الكراهية التي تنتشر في الإعلام الرقمي. (فايدز،2016،ص.ص46-43)
دور الإعلام في مواجهة الإسلاموفوبيا والحاجة الى تجديد الخطاب الديني
لا شك أن هناك حاجة ضرورية لمواجهة الإسلاموفوبيا وصورة الإسلام المشوهة في المجتمعات الغربية، وهذه المواجهة يجب أن تكون علمية ومنطقية،تعبر عن الدين الإسلامي الحقيقي الحضاري بعيدًا عن لغة الترغيب والترهيب والقمع،من هذا المنطلق تقع مسؤولية على الجهات المعنية المختلفة خصوصًا وسائل الإعلام. مما يدعو الإعلام العربي بالخروج من سباته العميق ووضع استراتجية متينة لمخاطبة الآخر.
وكثيرة هي الآليات التي يُمكن من خلالها مواجهة الإسلاموفوبيا نذكر أهمها: (بن سعيد،2010،ص 102)
– العمل على إنشاء محتوى قيّم يعتمد على الموضوعية والمهنية.
-تشجيع وسائل الإعلام على نقل الأخبار المتعلقة بالتمييز ضد المسلمين.
-استغلال الإنترنت من خلال إنشاء مواقع تهدف الى تصحيح الأفكار والمعلومات والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام.
-استثمار الفضاء الإعلامي في الغرب من خلال عرض قضايا العالم الإسلامي.
-استئجار ساعات معدودة للبث الإذاعي والتلفزيوني في بعض القنوات المستقلة بالبلدان الغربية.
من جهة أخرى يوجد حاجة ملحة لتجديد الخطاب الديني من خلال إعادة تثقيف الأئمة والخطباء وتطوير المناهج الدينية وتخصيبها بأفكار المجددين،والتركيز على القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب وإضاءة أوجه الشراكة النافعة وتجنب الخلافات.وتفكيك تحالف السلطة الدينية مع السلطة السياسية التي توظف الخطاب الديني لأهدافها. (الأنصاري، 2006)
المراجع
بن سعيد، المحجوب (2010). الإسلام والإعلاموفوبيا.\ دمشق: دار الفكر
بومدين، حورية (2019). ظاهرة الإسلاموفوبيا وتجلياتها في رواية المهاجر. مجلة آفاق للعلوم، 19، 59-68. تاريخ الدخول 5/6/2024، عنوان الموقع: http://afak-revues.net/index.php/afak/article/view/72/210
الجزيرة (2016). لماذا ارتبط التطرف بالإسلام؟ تاريخ الدخول 5/6/2024، عنوان الموقع https://bit.ly/3mCC2uF
خليفة، منى، منديل، يثرب، مهيدي، مهند (2020). ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الأوروبية. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية، 393-371
دوتشيه فيليه (2020). تفاقم الاعتداءات ضد المسلمين في ألمانيا رغم جائحة كورونا. تاريخ الدخول: 5/6/2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3g1CmSp
رابح، الصادق (2008). تجليات الإسلاموفوبيا في خطابات الوسائط الإعلامية: بحث في المصادر. كلية الاتصال. جامعة الشارقة
الراوي، طه (2020). كيف عززت منصات التواصل الاجتماعي تنامي “الإسلاموفوبيا”؟ تاريخ الدخول: 5/6/2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3mBIxxG
زغوني، رابح (2014). الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية. تاريخ الدخول: 7\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3mBcpKP
الزيدي، وليد (2016). جذور الإسلاموفوبيا في الغرب ومآلاتها المستقبلية. مجلة دراسات شرق أوسطية، 77، 16-37
صديق، محمد خليفة (2016). ظاهرة الإسلاموفوبيا .. المغذيات والأهداف والرموز. تاريخ الدخول: 11\6\2024، عنوان الموقع: https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=7397
العودات، محمد (2020). “الإسلاموفوبيا” في الغرب.. الأسباب والآثار. تاريخ الدخول: 4\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3d8BVUB
عودة، سامح (2020). صعود اليمين غربا وشرقا.. لماذا أصبح العداء للإسلام تيارا عالميا؟ تاريخ الدخول: 7\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3tb8qXQ
الغر، أحمد مصطفى (2019). السوشيال ميديا.. مصانع الكراهية ونشر الإسلاموفوبيا. تاريخ الدخول: 11\6\2024، عنوان الموقع: https://www.albayan.co.uk/article2.aspx?id=8934
غماري، طبيبي (2017). الإسلاموفوبيا: مصطلح زائف لظاهرة حقيقية. قطر: منتدى العلاقات العربية الدولية.
فايدنر، ستيفان (2016). خطاب ضد الإسلاموفوبيا في ألمانيا والغرب. ترجمة: رشيد بوطيب. قطر: منتدى العلاقات العربية الدولية
كربوسة، عمراني (2010). ظاهرة الإسلاموفوبيا: المفهوم والآليات. مجلة العلوم الإنسانية، 44، 73-82. تاريخ الدخول: 4\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3gjGWeV
لغرس، سوهيلة (2019). الإسلاموفوبيا: مقاربة بين الفكر والواقع. مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة، 2، 27-42. تاريخ الدخول: 7\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3ggF2M9
مرصد منظمة التعاون الإسلامي (2015). ظاهرة الإسلاموفوبيا. تاريخ الدخول: 7\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/2Qh4Vk5
الأنصاري، عبد الحميد (2006). هل يمكن تجديد الخطاب الديني؟ تاريخ الدخول: 11\6\2024، عنوان الموقع: https://www.albayan.ae/opinions/2006-11-13-1.960046
الأنصاري، مصطفى (2020). “الإسلاموفوبيا” فخ غربي أم صناعة إسلامية؟ تاريخ الدخول: 4\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3wOnpZJ
Agarwal, P. (2021). In France, the age of consent for sex could soon be lower than for wearing the hijab. Retrieved 1/6/2024 from https://www.independent.co.uk/voices/france-hijab-burqa-ban-muslim-b1827965.html
Daily Sabah (2021). Islamophobic attacks in France increase by 53% in 2020. Retrieved 7/6/2024 from https://www.dailysabah.com/world/europe/islamophobic-attacks-in-france-increase-by-53-in-2020
Légifrance.gouv.fr (2010). LOI n° 2010-1192 du 11 octobre 2010 interdisant la dissimulation du visage dans l’espace public (1). Retrieved 4/6/2024 from https://www.legifrance.gouv.fr/jorf/id/JORFTEXT000022911670/