×

الذكاء الاصطناعي: المفاهيم، التطورات، والتحديات

الذكاء الاصطناعي: المفاهيم، التطورات، والتحديات

جميع الحقوق محفوظة © لمجلة فكر وخبر

بات مصطلح “الذكاء الإصطناعي” كثير التداول والإستخدام، وقد أدخل في جميع المجالات العلمية والتقنية وحتى العلوم الإنسانية، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من سيطرته وتأثير على الدور البشري. رغم أن الواقع ما يزال بعيدًا جدًاعن الاقتراب من هذا التصور. ويُعتبر جون مكارثي “John McCarthy” أول من أطلق مصطلح الذكاء الإصطناعي سنة 1956 واعتبره بأنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”.

ويشير الذكاء الاصطناعي  الى محاكاة الذكاء البشري في الآلات المبرمجة للتفكير مثل البشر وتقليد أفعالهم. ويمكن أيضًا تطبيق المصطلح على الآلات المختلفة التي تعرض سمات مرتبطة بالعقل البشري مثل التعلم وحل المشكلات، وبالتالي فإنه يتميز بقدرته على اتخاذ أفضل الإجراءات لتحقيق هدف معين، ويوجد مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي وهي “التعلم العميق”، والتي تشير الى قدرة برامج الكمبيوتر أن تتعلم تلقائيًا من البيانات الجديدة وتتكيف معها الى جانب القدرة على التجريب والتعلم دون مساعدة البشر.( Frankenfield, 2021)

ويتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال نذكر البعض منها: (أوراكل، 2020)

  • تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة.
  • القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة.
  • يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمتة للبرامج التلفزيونية استنادًا إلى عادات المشاهدة للمستخدمين.

بشكل عام فإن الذكاء الإصطناعي هو نظام علمي يشمل على طرق التصنيع والهندسة لما يُسمى بالأجهزة والبرامج الذكية، والهدف هو إنتاج آلات مستقلة قادرة على أداء المهام المعقدة بإستخدام عمليات انعكاسية مماثلة لتلك لدى البشر. ويتم تصميم برامج وتطبيقات الذكاء الإصطناعي من خلال دراسة كيف يُفكر العقل البشري، وكيف يتعلم الإنسان، ويقرر، ويعمل أثناء محاولة حل مشكلة، ومن ثم استخدام نتائج هذه الدراسة كأساس لتطوير البرمجيات والأنظمة الذكية. (موسى، بلال، 2019، ص20)

أ- نشأة الذكاء الاصطناعي

لقد مر الذكاء الإصطناعي بعدة مراحل وشهد الكثير من التطورات على مر السنين حتى وصل الى ما هو عليه اليوم. ويمكن إرجاع بدايته الفعليّة الى محاولات الفلاسفة الكلاسكيين لوصف التفكير الانساني كنظام رمزي، ولكنه لم يبدأ رسميًا حتى عام 1956 في كلية دارتموث “Dartmouth College” في هانوفر بالولايات المتحدة الأمريكية. (Lewis, 2014). وذلك خلال انعقاد مدرسة صيفية نظمها أربعة باحثين أمريكيين: جون مكارثي، مارفن مينسكي، ناثانييل روتشستر وكلود شانون. ومنذ ذلك الحين، نجح مصطلح “الذكاء الاصطناعي” وهذا الفرع من المعلوماتية أخذ في الانتشار أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وبالتالي فإن التقنيات التي انبثقت عنه ساهمت  بقدر كبير في تغيير العالم على مدى الستين سنة الماضية. (اليونسكو)

وركزت الأبحاث الأولية على كيفية منح الآلات صفة الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير المنطقيّ بشكلٍ مشابهٍ للبشر، وهو ما قاد رواد الذكاء الاصطناعي في تلك الفترة لصياغة سبعة جوانب أساسية يمكن عبرها فهم الذكاء الاصطناعي وأهدافه: (إم آي تي تكنولوجي ريفيو، 2020)

  1. القدرة على محاكاة الوظائف العقلية المتقدمة للدماغ البشريّ.
  2. القدرة على برمجة الحواسيب لتستطيع استخدام اللغات.
  3. ترتيب وتنظيم عصبونات افتراضية (اصطناعية) بطريقةٍ تمكنها من تشكيل الوعي والأفكار.
  4. القدرة على تحديد وقياس مدى تعقيد المشاكل.
  5. القدرة على التحسين الذاتي.
  6. التجرّد: أي مدى الكفاءة التي تتمتع بها الحواسيب وبرمجيات الذكاء الاصطناعي بالتعامل مع الأفكار والمفاهيم بدلاً من اقتصارها على الإستجابة للأحداص.
  7. العشوائية والإبتكار.

ومن وجهة نظر جون مكارثي ومارفن مينسكي، أي الآباء المؤسسون، كان الذكاء الإصطناعي يهدف في البداية الى محاكاة كل واحدة من مختلف قدرات الذكاء، بواسطة الآلات، سواء كان  ذكاء بشريًا أو حيوانيًا أو نباتيًا أو اجتماعيًا أو تصنيفًا تفرعيًا حيويًا. وقد استند هذا النظام العلمي أساسًا إلى افتراض أن جميع الوظائف المعرفية، ولا سيما التعلّم، والاستدلال، والحساب، والإدراك، والحفظ في الذاكرة، وحتى الإكتشاف العلمي أو الإبداع الفني، قابلة لوصف دقيق لدرجة أنه يمكن برمجة جهاز كمبيوتر لاستِنساخها. ومنذ وجود الذكاء الاصطناعي، أي منذ أكثر من ستين سنة، ليس هناك ما يفند أو يثبت بشكل قاطع هذه الفرضية التي لا تزال مفتوحة وخصبة في آن واحد. (اليونسكو)

ومن ذلك الحين بدأ الذكاء الإصطناعي يتطور بشكل كبير، على الرغم من مروره بالكثير من الأمور التي كانت تعثر وتيرة تقدمه، ولكن لم تتوقف البحوث، وكان هناك دائمًا عمل على تطوير التقنيات وتحسينها. وصولاً الى يومنا هذا، خصوصًا في العام 2019 حيث تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي واحتلالهما لمركز الصدارة في العديد من المجالات، وبدأت الشركات تعمل بشكل متزايد للإستفادة من هذه التقنيات بطرق متعددة. وقد حاولت العديد من الشركات تحسين تجربة المستخدم لديها بدمج الذكاء الاصطناعي في كل الحلول التي تقدمها تقريبًا. كما يعمل العلماء على تعليم الآلات التفكير واتخاذ القرارات كما يفعل البشر. ولا شك أن تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره على البشر سوف يسيطر على قطاع التكنولوجيا بشكل أكبر.

ب- مجالات تخصص الذكاء الإصطناعي وتطبيقاته

تتعدد مجالات تخصص الذكاء الإصطناعي، كالإختصاص في البرمجة وتحليل النظم وتصميمها، والإشراف على أعمال الحاسب والروبوتات، والإختصاص في قواعد البيانات، والعمل في مجال التعلم والإختصاص في مجال التعلم الآلي.

وتتجلى مجالات الذكاء الإصطناعي في التالي:

  • دخل الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات التقنية التي تحتاج إلى التفكير المنطقي والمعرفة والتخطيط والإدراك الافتراضي القائم على تطبيق النظريات واختيار الحلول الصحيحة.
  • من أبرز المجالات التي يتميز فيها برامج وتطبيقات محاكاة الواقع.
  • الصناعة من خلال الروبوتات القادرة على أداء مهام الجنس البشري.
  • تطوير البرامج والتطبيقات الحاسوبية في مختلف المجالات، ومنها الطب والهندسة والتجارة والاستثمار وغيرها.
  • تطوير المحاكاة المعرفية من خلال اختبار النظريات، والتعرف على الوجوه، وتفعيل الذاكرة، وغيرها من الوظائف.
  • تطوير المحركات ذات القدرات الذكية، مثل السيارات دون سائق، والطائرات بدون طيار.

إن تطبيقات الذكاء الإصطناعي، أصبحت تشكّل مستقبل تطوير البرمجيات، وبالتالي فإنها لا ترتبط بمجال تقنيّ واحد، بل أن الخوارزميات والتطبيقات المعتمدة على مفاهيم وأسس الذكاء الإصطناعي أصبحت تقتحم معظم المجالات، وتزايد الإهتمام بها من قبل العديد من الشركات والمؤسسات، حيث تتمتع خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة بإمكانيات هائلة في تطوير البرامج؛ ما يوفر قرارات سلسة في الوقت الفعلي على نطاق واسع. وسنسلط الضوء في ما يلي على أبرز التطبيقات الذكاء الإصطناعي ومجالاته وسيتبين مدى الفائدة التي يمكن أن يجنيها توظيف الذكاء الإصطناعي في كافة المجالات العملية وعلى وجه الخصوص مجال العلاقات العامة: (أم أي تي تكنولوجي ريفيو، 2020)

  • الرؤية الحاسوبية: أي المجال المعني بمعالجة الصور والفيديوهات، وتزويد الأفراد بالمعلومات المتنوعة واتخاذ قرار ما اعتمادًا على تحليل الصور والفيديوهات.
  • مجال الأنظمة الروبوتية: الذي حصل على قدر كثيف من تطبيقات الذكاء الإصطناعيّ نظرًا لكون الروبوتات تمتلك قدرة ممتازة على إظهار كل المفاهيم المرتبطة بالذكاء، فهي لا تفكر وتعالج المعلومات وتتخذ القرارات فقط، بل تدرك البيئة المحيطة بها لتقوم بتنفيذ نشاطاتٍ حركية معقدة.
  • مجال المعالجة الطبيعية للغة: وهو جانبٌ هام جدًا تم استثمار خوارزميات الذكاء الإصطناعي فيه بشكلٍ كبير، وتطبيقاته الشهيرة مثل المساعدات الرقمية الذكية الموجودة في الهواتف الذكية تعتبر من أشهر الأمثلة على ذلك.
  • التعرف على الأنماط: وهو المجال العلمي الهادف لتمييز وجود نمطٍ ما ضمن مجموعة كبيرة من البيانات، وبالتالي يمكن إستخدامه في مجالاتٍ متنوعة.

ويمكن تصنيف أنواع تطبيقات الذكاء الإصطناعي لثلاثة تصنيفات: (ضمراوي، 2020)

  • الذكاء الإصطناعيّ الضيق أو المحدود:وهو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع القيام بمهام مُحددة وواضحة، ويعتبر أكثر الأنواع شيوعاً وتوفراً في وقتنا الحالي.
  • الذكاء الإصطناعيّ العام: وهو النوع الذي يُمكن أن يَعمل بقدرة تُشابه قدرة الإنسان من حيث التفكير،إذ يُركز على جعل الآلة قادرة على التفكير والتخطيط من تلقاء نفسها وبشكل مُشابه للتفكير البشري، وهو غير مرتبط بمجال محدد والهدف منه القدرة على تأدية مهمات مختلفة ضمن مجالاتٍ متنوعة.
  • الذكاء الإصطناعي الفائق: يُعتبر الذكاء الاصطناعي الفائق النوع الذي قد يفوق مستوى ذكاء البشر، والذي يستطيع القيام بالمهام بشكل أفضل مما يقوم به الإنسان المُتخصص وذو المعرفة، ولهذا النوع العديد من الخصائص التي لا بد أن يتضمنها؛ كالقدرة على التعلُم، والتخطيط، والتواصل التلقائي، وإصدار الأحكام، إلا أن مفهوم الذكاء الاصطناعي الفائق يُعتبر مفهوماً افتراضياً ليس له أي وجود في عصرنا الحالي. أي أنه ما زال في الإطار النظري وقد حذر منه العديد من الأشخاص مثال عالم الفيزياء ستيفن هوكينج.

ج- تحديات الذكاء الإصطناعي

على الرغم من المميزات الكثيرة التي يتمتع بها الذكاء الإصطناعي وقدراته المختلفة إلا أنه يوجد مجموعة من التحديات التي تواجه هذه التقنية من نواحٍ عدّة  أبرز التحديات الأساسية: تحديات منهجية وإجتماعية وتقنية والتي يندرج تحتها عدد من التحدات الفرعية. كما أنه لا يمكن النظر الى الذكاء الإصطناعي على أنه جانب علمي مُتكامل، فهناك العديد من الأمور التي لا تزال جدلية ومبهمة بين الباحثين.

بحسب أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوب في جامعة خليفة الدكتور “جورج مانويل “أن أهم التحديات التي تواجه علوم الروبوت هي عدم وجود قواعد أخلاقية معتمدة تحدد استخدامات الذكاء الاصطناعي والتعامل مع البيانات، مبينًا أن هذه العلوم تفتح آفاق المتعمقين فيها وتمكنهم من تزويد الآلات بقدرات غير محدودة الأمر الذي يمكن أن يساء استخدامه. الى جانب عدم مواكبة الأفراد للتطورات الحاصلة في علوم الذكاء الاصطناعي يجعلهم بعيدين عن الفهم الفعلي لتطبيقاته، الأمر الذي يتطلب أن يتم تعليم المجتمع ككل على تطبيقاته واستخدامه بطريقة أخلاقية تراعي معايير الاستدامة والبيئة.(الشمعة، 2020)

كما أن نقص التنوع في مجال بحوث وصناعة الذكاء الإصطناعي يعتبر من بين التحديات حيث تسود حالة من نقص التنوّع في مجال البحث والتطوير في هذا الحقل التقني، وكذلك في ثقافات مكان العمل التي تشكل صناعة الذكاء الاصطناعي، الى جانب محدودية الكفاءات التكنولوجية حيث أن الأشخاص القادرين على البحث وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي نادرون في الوقت الحالي مقارنةً مع مجالات أخرى. ذلك أنّ هذه العمليات لا تتمّ عن طريق استخدام برنامج معين بحدّ ذاته، بل ينبغي تكييف البرامج الذكية مع مجموعة بياناتٍ محددة يتمّ جمعها واستخدامها في سياقٍ معيّن. (معاذ، 2021)

كما أن نجاح التطبيقات مرتبط بمدى قبولها في المجتمع إذ أنه من بين أوجه القصور الأخرى التي تحدّ من نطاق القدرات التي يمكن أن تغطيها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، هو مدى القبول الاجتماعي. (المرجع السابق،2021)

الى جانب هذه التحديات، هناك تحديات لها أهميتها في مجال الذكاء الإصطناعي على سبيل المثال مجال الذكاء الإجتماعي والذي يهدف لتطوير آلاتٍ أو برامج قادرة على فهم وإدراك العواطف التي يُبديها البشر والتفاعل مع الأفراد بشكل مماثل، ويُعتبر الروبوت صوفيا مثالًا شهيرًا على أنظمة الذكاء الإصطناعي المتقدمة التي تمتلك قدرات ذكاءٍ إجتماعيّ. أخيرًا يعتبر التحدي الأبرز في مجال الذكاء الإصطناعي هو الذكاء العام، وهو القدرة على بناء خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكن استخدامها في العديد من المجالات والتطبيقات، وليس فقط في مجال واحد لهدفٍ محدد. (إم آي تي تكنولوجي ريفيو، 2020)

المراجع

ام آي تي تكنولوجي ريفيو العربية (2020). “تعرف على تاريخ تطوّر الذكاء الإصطناعي وآلية عمله.” تاريخ الدخول 18\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3xkuH81

أوراكل (2020). “ما هو الذكاء الإصطناعي؟ تاريخ الدخول 18\6\2024، عنوان الموقع:  https://www.oracle.com/ae-ar/artificial-intelligence/what-is-ai

الدلقموني، رماح (2016). “الذكاء الاصطناعي.. ما هو؟ وما أبرز مظاهره؟” تاريخ الدخول 18\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3dJbwwH

الشمعة، دانية (2020). “3 تحديات تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي.” تاريخ الدخول: 18\6\2024، عنوان الموقع:

https://bit.ly/3tSuyGU

ضمراوي، بانا (2020). “تعريف الذكاء الإصطناعي.” تاريخ الدخول 18\6\2024، عنوان الموقع: https://bit.ly/3neXJ4h

معاذ، محمد (2021).”ماأبرز التحديات الحالية التي تواجه الذكاء الاصطناعي.” تاريخ الدخول 19\6\2024، عنوان الموقع:   https://arsco.org/article-detail-1847-5

د. موسى، عبدالله، بلال، حبيب أحمد (2019). الذكاء الإصطناعي ثورة في تقنيات العصر./ القاهرة: المجموعة العربية للتدريب والنشر 

:Frankenfield. J (2021). Artificial Intelligence (AI) Retrieved 20\6\2024, from

https://bit.ly/3xkGfIo

Dr. Fuchs. C (2020). Planning and corporate management with artificial intelligence. Retrieved 20/6/2024

from https://www.unit4.com/blog/planning-and-corporate-management-artificial-intelligence

Lewis. T (2014). A Brief History of Artificial Intelligence. Retrieved 20\6\2024 from https://bit.ly/3vg3mC1