الإعلام في زمن الكوارث: دراسة تحليلية للتغطية الإعلامية خلال الجوائح والأزمات العالمية
بقلم: آية علي الزين
جميع الحقوق محفوظة © لمجلة فكر وخبر
مقدمة
في خضم الأزمات التي تعصف بالعالم، يتصدر الإعلام المشهد بوصفه الوسيط الأساسي لنقل المعلومات، وتشكيل الرأي العام، وتوجيه السلوك الجمعي. وقد أثبتت الكوارث – الطبيعية منها والصحية والاجتماعية – أنّ الإعلام لا يكتفي بوظيفة الإخبار فحسب، بل يتحول إلى فاعل مركزي في إدارة الأزمة أو تأجيجها، في تعزيز الوعي أو ترويج الذعر، في صياغة خطاب التضامن أو نشر الإقصاء.
وفي زمن تسارعت فيه وتيرة الأخبار، وتداخلت فيه وسائط النشر بين التقليدي والرقمي، بات لزامًا علينا أن نقف وقفة تحليلية نقدية أمام أداء الإعلام خلال الأزمات، لندرس آلياته، ونفكك خطاباته، ونقيّم دوره بين الواجب المهني وضغوط الاستقطاب والمصالح.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل أداء الإعلام خلال الكوارث الكبرى، لا سيما الجوائح الصحية مثل جائحة كورونا، مع تسليط الضوء على الأطر النظرية والوظيفية التي تحكم هذا الأداء، والانعكاسات الأخلاقية والمجتمعية المترتبة عليه.
أولًا: الإعلام والأزمة – تأصيل نظري
لفهم سلوك الإعلام في زمن الكوارث، ينبغي أولًا التأسيس لمفاهيم أساسية ترتبط بعلاقة الإعلام بالأزمات:
- نظريات الإعلام في سياق الأزمات:
- نظرية المسؤولية الاجتماعية: ترى أن الإعلام ملزم بنقل المعلومة بدقة، والابتعاد عن الإثارة، والعمل على تهدئة الرأي العام.
- نظرية وضع الأجندة: تفترض أن الإعلام لا يقول للناس كيف يفكرون، بل عمّا يفكرون، عبر تركيزه على قضايا بعينها أثناء الأزمات.
- نظرية دوامة الصمت: تزداد فعاليتها في أزمنة الخوف، حيث يخشى الأفراد من التصريح بآرائهم المخالفة لما يروَّج إعلاميًا.
- وظائف الإعلام أثناء الكوارث:
- إعلاميّة: تقديم الحقائق والمستجدات بدقة.
- توعوية: رفع مستوى الوعي الجماهيري حول طرق الوقاية والتصرف.
- توجيهية: حث الجمهور على التصرف وفق خطط الطوارئ.
- نفسية: تهدئة المخاوف والحد من الشائعات.
ثانيًا: التغطية الإعلامية خلال الجوائح – جائحة كورونا نموذجًا
اتسمت التغطية الإعلامية خلال جائحة كورونا بتحديات غير مسبوقة على كافة المستويات:
- التدفق الهائل للمعلومات: أدت كثافة الأخبار إلى ما يسمى بـ”وباء المعلومات” (Infodemic)، وهو مصطلح أطلقته منظمة الصحة العالمية على حالة الفوضى المعلوماتية، حيث يصعب التمييز بين المعلومة الدقيقة والإشاعة.
- التباين في مصادر الأخبار: ظهرت فجوة واضحة بين الإعلام الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ غالبًا ما سبقت الأخيرة المؤسسات التقليدية في نشر الأخبار، مما أربك الجمهور وزاد من حدة التناقضات.
- تسييس الخطاب الإعلامي: في كثير من الدول، وُظِّف الإعلام لأغراض سياسية، فتم تحميل فئات معينة مسؤولية الوباء، أو تمجيد الأداء الحكومي دون مساءلة، مما أضعف ثقة الجمهور بالمصادر الإعلامية.
- البُعد الإنساني الغائب: رغم أهمية الأرقام والإحصاءات، أهملت كثير من التغطيات الإعلامية الجانب الإنساني للأزمة: قصص المرضى، الأطباء، العائلات المفجوعة… إلخ، وهو ما يضعف من أثر الرسالة الإعلامية على المستوى العاطفي والاجتماعي.
ثالثًا: الإعلام بين التهويل والطمأنة – معضلة التوازن المهني
أحد أبرز التحديات الأخلاقية التي تواجه الإعلام أثناء الكوارث، هو التوازن بين أداء الدور الإخباري بدقة، دون الوقوع في فخ التهويل أو التخويف.
- التهويل: كثير من وسائل الإعلام استخدمت عناوين مثيرة، وصورًا درامية، ومقاطع مرعبة لبث الخوف، ما ساهم في خلق حالة من الهلع الجماعي.
- الطمأنة المفرطة: على النقيض، لجأت بعض المنصات إلى التقليل من حجم الكارثة، بهدف الحفاظ على الاستقرار أو الخضوع لضغوط سياسية، ما أدى إلى سلوك جماهيري غير مسؤول.
- الحل؟ تبني صحافة مسؤولة تراعي السياق، وتقدم المعلومة بعين تحليلية لا تهويل فيها ولا تهوين، بل توازن بين الحقائق والبعد النفسي.
رابعًا: الإعلام الجديد وإعادة تشكيل سلوك الجمهور أثناء الأزمات
لا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي لعبته الوسائط الرقمية في رسم ملامح الاستجابة الشعبية للأزمات:
- وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة أولى للمعلومة: أصبحت تويتر، فيسبوك، وتيك توك مصادر أولى للخبر، خصوصًا لدى الفئات الشابة، مما يتطلب دراية إعلامية ومهارات تحقق أكبر.
- انتشار الإشاعات والمعلومات الزائفة: ساهمت سرعة النشر وقابلية إعادة المشاركة (Share) في تضخيم أثر الإشاعات، وخلق حالة من الضبابية المعلوماتية.
- بروز المؤثرين كمصادر بديلة: في ظل تراجع الثقة ببعض وسائل الإعلام، لجأ الجمهور إلى المؤثرين والمتخصصين المستقلين، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصداقية المحتوى غير المؤسسي.
خامسًا: الدروس المستخلصة والتوصيات للصحافة المستقبلية
من خلال تحليل الأداء الإعلامي خلال الأزمات، يمكن استخلاص عدد من المبادئ والتوصيات:
- تعزيز التربية الإعلامية: ضرورة إدخال مفاهيم محو الأمية الإعلامية في التعليم، ليتمكن الأفراد من التمييز بين الحقيقة والتضليل.
- بناء الثقة من جديد: على وسائل الإعلام أن تعيد ترسيخ ثقة الجمهور، عبر الالتزام بالشفافية، وتقديم وجهات النظر المختلفة، وتجنّب الاصطفاف السياسي.
- تنويع المصادر والتحقق: العمل على التحقق الثلاثي للمعلومة، والاستناد إلى مصادر طبية/علمية موثوقة.
- التدريب المستمر للصحفيين: في كيفية التغطية أثناء الكوارث، والتعامل مع المعلومة بحذر، دون تضخيم أو تهميش.
- إبراز الجانب الإنساني دائمًا: لا يقتصر دور الإعلام على الإبلاغ، بل عليه أن يروي القصص التي تعيد للناس إنسانيتهم، وتربطهم بالقضية لا بالرقم.
خاتمة
إن الإعلام في زمن الكوارث ليس رفاهًا ولا ترفًا، بل هو ركيزة أساسية في إدارة الأزمة. وهو – كما النار – يمكن أن يضيء الطريق، أو يحرق المسار بأكمله. وما بين الإثنين، تقف المهنية، والأخلاقيات، والمعرفة، كعناصر حاسمة تحدد اتجاه الرسالة الإعلامية.
لذلك، فإن بناء إعلام مستعد للكوارث، قادر على مخاطبة العقل والعاطفة، والتحرر من الاستقطاب، هو التحدي الأكبر للحقبة القادمة.
المراجع:
- McQuail, D. (2010). Mass Communication Theory. Sage.
- WHO (2020). “Managing the COVID-19 Infodemic”. [https://www.who.int/]
- Wardle, C., & Derakhshan, H. (2017). Information Disorder: Toward an Interdisciplinary Framework. Council of Europe.
- Silverman, C. (2015). Verification Handbook. European Journalism Centre.
- Kovach, B., & Rosenstiel, T. (2007). The Elements of Journalism. Crown Publishing.